والخوف من الله عز وجل يستوجب أمراً آخر من مهمات القلوب، وهو عدم الأمن من مكر الله عز وجل، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل:45 - 47].
هذه الآيات عين الواقع بالضبط، هؤلاء الذين مكروا السيئات فعملوها، ودعوا الناس إليها، وحرضوهم عليها، وشجعوهم على فعلها، هؤلاء الذين يمكرون بالناس في دعائهم إياهم للمعاصي، هؤلاء: أأمنوا أن يخسف الله بهم الأرض؟ {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} [النحل:45 - 46].
وتقلبهم هو تنقلهم في الأسفار وغيرها، وتغيرهم في أحوالهم، ولذلك قال الله في آيةٍ أخرى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:97 - 99].
فإذاً الناس عندما يؤخذون بالعذاب على أنواع: فمنهم من يأخذه الله وهو مطمئن نائم, ومنهم من يأخذه الله وهو يلعب ويلهو، أو مشغول بالدنيا، فيأتيه العذاب فجأة، ومنهم من يأخذه الله وهو يخاف من وقوع العذاب عليه.
ولذلك إذا أخذ الله غيرنا بعذابٍ وهم نائمون مطمئنون، فنحن الآن في مرحلة نخشى أن يأخذنا الله بعذابٍ ونحن على تخوف.
لابد -أيها الأخوة- أن نفقه الآيات، ولذلك سنعيد قراءتها: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} [النحل:45] أي: لا يتوقعون، لم يدر في بالهم أن الله سيفعل بهم ما فعل، أو يأخذهم في تقلبهم وهم في أسفارهم وذهابهم ومجيئهم، أخذهم الله فأصيبوا فما هم بمعجزين، يصل إليهم الأثر وهم في أقصى الدنيا.
ولذلك لما أنزل الله بعاد عذاباً كان منهم قومٌ مسافرون إلى مكان بعيد عن مكان الحدث، فذهب إليهم العذاب فأخذهم في سفرهم! الحالة الثالثة: أو يأخذهم على تخوف، أي: هم يترقبون أن يحدث شيء، فيأخذهم الله في حال الخشية وفي حال الخوف: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل:47] وهم خائفون وجلون مضطربون يخشون حدوث شيء، فيأخذهم الله عز وجل، أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوفٌ رحيم.
كيف يكون رءوفاً رحيماً؟ إذا لم يعاجلهم بالعقوبة عز وجل، قد يأخذهم مباشرة، وقد يأخذهم بعد إمهال، وقد يأخذهم على تخوف ويكون من أشد أنواع الأخذ، لأنه قد اجتمع عليهم الخوف والعذاب، ولذلك لابد من العودة إلى الله، فنحن الآن في مرحلة مصيرية وفي لحظات عصيبة.
وبعض الناس الذين ناموا انتبهوا لحظات، ثم ناموا ورجعوا للغفلة، فعليهم أن ينتبهوا، أفأمنوا أن يأخذهم الله على تخوف، فإن ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليمٌ شديد؛ إذا جاءت غاشية من عذاب الله، فإنها لا تبقي ولا تذر.
وتأمل قوله سبحانه وتعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ} [الأعراف:97] والنوم يأتي من الطمأنينة، أناس مطمئنون لا يحسبون في حسابهم أي شيء، فينام الإنسان فيأتيه العذاب وهو نائم، كما فعل الله بأقوامٍ كُثر، أتاهم العذاب وهم نائمون.
{أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف:98] وإنما يلعب الناس إذا توفر لهم الرزق، وتوفر لهم رغد المعيشة، وكان عندهم سعة، فإنهم لا يحتاجون لطلب الرزق، فلذلك يلهون ويلعبون، وينشغلون بكل الملهيات، ولو كانوا في ضنك لذهبوا يطلبون الرزق، ولكن أمنوا مكر الله واغتروا بالنعمة ولم يشكروها، فيلعبوا في سائر الأوقات بالمعاصي وبالمنكرات، فيأتيهم العذاب ضحى وهم يلعبون؛ فيكون مفاجئاً لهم، وهذا دليل أمنهم من مكر الله، ولو كانوا يخشون الله ما ناموا ولعبوا، ولصلوا وقاموا وعبدوا الله، وفعلوا كما كان يفعل رسول صلى الله عليه وسلم.
فلم يكن نومه عليه الصلاة والسلام غفلة، وإنما كان عبادة، ولذلك فإنه لابد للعباد أن يفيئوا إلى الله في وقت الشدة، وأن يتوكلوا على الله.