أيها الإخوة: لقد كان للظلمة مع الموت موعد، والله عزَّ وجلَّ يمهل ولا يهمل، ولما قتل الحجاج سعيد بن جبير دعا عليه، فلم يلبث بعده إلا نحواً من أربعين يوماً، فكان إذا نام يراه في منامه آخذاً بمجامع ثوبه، يقول: يا عدو الله! لم قتلتني؟ فيقول: ما لي ولـ سعيد بن جبير؟ ما لي ولـ سعيد بن جبير؟ وهكذا أخبر بعض من حضر أنهم سمعوه يقول: ما لي ولـ سعيد بن جبير؟ عند وفاته، قبحه الله.
وأما أصحاب الدنيا المنشغلون بالأموال، فإن للموت معهم موعداً أيضاً، فإن كانوا قد اشتغلوا بالمال عن عبادة الله، وألهتهم الدنيا عن طاعته، فإن سوء الخاتمة نذير شديد، قال ثابت البناني رحمه الله: كان رجلاً عاملاً للعمال، فجمع ماله، فجعله في سارية، فلما حضرته الوفاة، أمر به، فنثر بين يديه، فجعل يقول: يا ليتها كانت بعراً، يا ليتها كانت بعراً، يا ليتها كانت بعراً، وقيل لأحد المحتضرين: قل لا إله إلا الله، فجعل يقول: الدار الفلانية أصلحوا فيها كذا، والجنان الفلاني اعملوا فيها كذا.
وذكر ابن القيم رحمه الله عن أحد التجار أن أحد قرابته احتضر وهو عنده، فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، هذا مشترى جيد، حتى قضى نحبه.
وسمع بعض المحتضرين عند احتضاره يلطم على وجهه ويقول: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر:56] قال أحدهم عند احتضاره: سخرت بي الدنيا حتى ذهبت أيامي.