قال سعيد بن عبد العزيز: لما احتضر عبد الملك، أمر بفتح أبواب قصره، فلما فتحت، سمع قصاراً بالوادي، فقال: ما هذا؟ قالوا: قصار! فقال: يا ليتني كنت قصاراً أعيش من عمل يدي، فلما بلغ سعيد بن المسيب قوله، قال: [الحمد لله الذي جعلهم عند موتهم يفرون إلينا، ولا نفر إليهم] ولما حضره الموت، جعل يندم ويندب، ويضرب بيده على رأسه ويقول: وددت أني اكتسبت قوتي يوماً بيوم، واشتغلت بعبادة ربي عزَّ وجلَّ وطاعته، ولما حضرته الوفاة، دعا بنيه فوصاهم ثم قال: الحمد لله الذي لا يسأل أحداً من خلقه صغيراً أو كبيراً، ويروى أنه قال: ارفعوني، فرفعوه حتى شم الهواء، ثم قال: يا دنيا ما أطيبك! إن طويلك لقصير، وإن كثيرك لحقير، وإن كنا بك لفي غرور، ذكر القصة ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية.
أينما بنوا من القصور خلوها والتحقوا بالقبور
أينما غرسوا من الزرع تركوه وولوا حيث لا رجع
{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سبأ:54].
ولما حضرت أحد السلاطين الوفاة، جعل يقول: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:44] وجعل يقول: لو علمت أن عمري قصير ما فعلت، وجعل يقول: ذهبت الحيل، فلا حيلة.