والذي يدفع المسلم إلى علو الهمة هو الزهد في الدنيا؛ لأنه لو عرف حقيقة الدنيا أنها فانية زائلة ملعونة، وأنها كالعصف المأكول، وأنها تكون كهذا الذي تذروه الرياح، فإذا عرف قيمة الدنيا وتفاهتها وحقارتها وزوالها وفناءها فإنه في هذه الحالة يزهد فيها، وتتطلع همته إلى الأمور العليا إلى الآخرة وإلى الجنان وما أعد الله فيها.
ومن الأمور المعينة على أن تكون الهمة عالية: اشتغال الإنسان بما يعنيه وانصرافه عما لا يعنيه، فإنه إذا انشغل بما يعنيه؛ ومعنى: يعنيه، أي: يعنيه شرعاً، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني: الدعوة إلى الله، كسبك لأجل أولادك وزوجتك والإنفاق على زوجتك يعنيك، كل هذا يعنيك، معرفة أوقات الصلوات تعنيك، وما لا يعنيك هو: كل ما يضرك وما لا مصلحة لك فيه شرعاً.
انظر إلى هؤلاء الناس الذين عندهم هوايات عجيبة: التصوير، وجمع الطوابع، والرياضات البحرية وتقضى فيها ساعات، وصيد الجرابيع، وأن يصعد بسيارته على تل من رمل؛ هذا همهم في هذه الأشياء، وآخر يجلس عند الألعاب التي في الكمبيوتر عشر ساعات واللعبة تأخذ كل يوم مراحل وساعات طويلة: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) فينبغي ترك هذه الأشياء، لا نقول: لا تروح عن نفسك، ولا تتريض الرياضة المباحة، لا.
هذا مما يعنيك، لكن الإغراق في هذه الأشياء، وإضاعة الساعات الطويلة فيها، هذا لا شك أنه منافٍ لعلو الهمة.
وترك فضول الكلام، ومجالس إضاعة الوقت، والناس الثرثارين؛ هذا مهم لكي يحفظ الإنسان وقته، فالشخص الذي عنده علو همة ينصرف لمراعاة وقته، وكل ما هو من مدعاة الكسل والخمول، فالإنسان يترفع عنه، حتى التثاؤب انظر كيف أمرنا برد التثاؤب وتغطية الفم في الصلاة إذا تثاءبنا حتى لا يدخل الشيطان؛ لأن التثاؤب من الشيطان والتثاؤب عنوان الكسل والخمول، حتى التثاؤب الذي هو عملية طبعية تكون في الجسم ومع ذلك نرده ونكظمه حيث أمرنا بذلك شرعاً.