الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فيطيب لي في هذه الليلة أن أتحدث إليكم في هذا المجلس الذي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله مجلساً خالصاً لوجهه، وأن يجعلنا فيه من عتقائه من النار، الذين تجالسوا في الله، وتذاكروا في الله، وتحابوا في الله، واجتمعوا على طلب العلم.
أيها الإخوة: موضوعنا في هذه الليلة بعنوان: قوة الإرادة وعلو الهمة.
قوة الإرادة وعلو الهمة موضوعان مترابطان؛ وهذان الموضوعان في غاية الأهمية من جهة الحاجة إليهما؛ لأنه لا يقوم بدين الله إلا من كانت له إرادة قوية وهمة عالية، فإن هذا الدين دين قويم ودين عظيم، والله سبحانه وتعالى أنزله وامتحن به الناس؛ ليرى من الذي يقوم به ممن لا يقوم، من الذي يتحرك لنصرته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ومن الذي يتخاذل عن ذلك ويركن إلى الدنيا وإلى الدعة والكسل.
وهذان الموضوعان أيضاً في غاية الأهمية من جهة علاج الواقع الذي نعيش فيه، فإننا في حال هزيمة على المستوى الفردي والمستوى الجماعي، وإن العودة بالنفس والمجتمع من حال الهزيمة إلى حال الانتصار تحتاج إلى إرادة قوية وهمة عالية.
وحال الأفراد الذين يقولون: عندنا معاصٍ لا نستطيع أن نفارقها، وشهوات واقعون فيها لا نستطيع أن نبارحها، ومن مشاكلنا ضياع الأوقات والدخول في مشاريع دون تكملتها، وتنقطع بنا السبل، ونعيش في فوضى، وحياتنا ليست مرتبة على حسب الشريعة.
لا شك أن علاج كل هذه المشكلات وعلاج قضية عدم الجدية في الالتزام بالإسلام وهذه الأوقات الضائعة، والالتزام الناقص، ومظاهر نقص الاستقامة؛ لا شك أنها لا تعالج إلا بإرادة قوية وهمة عالية.
ونحن نلتفت لعلاج أنفسنا إلى الأنبياء والصحابة والتابعين والعلماء والشهداء الذين قضوا نحبهم وهم مقيمون على طاعة الله، أولئك الذين وصفهم الله تعالى بأنهم {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23].
أولئك أصحاب الهمم العالية، والعزائم القوية، والإرادات التي جعلت أصحابها في ذلك المستوى الإيماني المرتفع.
أيضاً: فإن هذا الموضوع مهم في العبادة، والجهاد، وطلب العلم، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن هذه الأمور الشرعية المطلوبة لا يمكن تحقيقها إلا بذلك.