كذب المشعوذين في عملية تحضير الأرواح

وذكرنا كذلك أن ما قام من سوق تحضير الأرواح، وأن بعض الناس يستطيع أن يحضر روح القريب من أبٍ أو أمٍ ونحو ذلك وأنه كله دجل، وأن بعضه من التعاون مع الشياطين الذين يستطيعون التشكل فيأتون الإنسان بصورة أبيه الميت، أو أمه، ونحو ذلك، وقد حكى بعضهم تجربته عن ذلك فقال: ذهبت إلى هذا الذي يقول: إنه تعلم تحضير الأرواح بأذكارٍ وأمورٍ يقرأها، وتلاواتٍ ورياضاتٍ وممارسات، فأكون معه على الطعام فتأخذه الإغفاءة المعهودة فيميل رأسه إلى الأمام وتلتصق ذقنه بصدره ثم يحثني الزائر الذي يزعم أنه ملك أو أبو هريرة أو أبو الحسن الشاذلي أو نحو هؤلاء بأمور، ثم وعدوني وبشروني بقرب زيارة والدي الميت لي في وقتٍ عينوه، وانتظرت الموعد بلهف، وطلبوا مني أن أقرأ سورة الواقعة، إذاً يمكن من طرق التلبيس أن يطلبوا من الشخص أن يقرأ سورة من القرآن، ثم قالوا: سيحضر والدك بعد لحظات، ولكن بشرط لا تسأله عن شيء، وبعد دقائق جاء شخصٌ، ودخل فزعم أنه أبي في شكله، وسلم علي وأظهر سروره بلقائي، وأوصاني أن أعتني بهذا الشيخ وأهله، وأنه فقير محتاج إلى المال، وهذا هو لب القضية (الاحتيال المالي) وبعض الدجالين لكي يخفي أمره بزيادة لا يطلب مالاً في البداية، كنا نقول للناس: إنهم لا يستعملون القرآن، وبعض الدجالين يستعملونه تلبيساً، وقلنا لهم: يحتالون لأخذ المال، وبعض الدجالين يقولون لمن يأتيهم في البداية: لا نريد منكم مالاً، لا نريد إلا وجه الله: {لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} [الإنسان:9] ولكن بعد ذلك يبدءون بأخذ الأموال.

فإذاً لا بد من معرفة الواقع ولماذا قالوا له: لا تسأله عن شيء؟ أو يأتي شكلٌ يخاطبه بالخفاء يقول: أنا روح أبيك ويخبره عن أشياء لا يعرفها إلا هذا الولد فعلاً، ولكن يعرفه القرين ويعرفه الجن المحيطون به، ويخبرون ذلك الشخص فيظنه حقاً وهو دجل وتلبيس، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الدجال: (وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانانِ في صورة أبيه وأمه فيقولان له: يا بني اتبعه فإنه ربك) الحديث في سنن ابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يخبر أن من فتنة الدجال يبعث له شيطانان في صورة أبيه وأمه الميتين.

ثم إن مما يدل على كذبهم في عملية تحضير الأرواح أن الله يقول: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:42] ويستيقظ الإنسان من نومه، أما الذي يموت في المنام وهو نائم وعددٌ من الناس ماتوا في نومهم، يمسك الله أرواحهم فإذا كان الله يمسكها، فهل تستطيع الروح أن تأتي لهذا الولد؟! وإذا وكل الله بالأرواح ملائكة يعذبونها إن كانت شقية كافرة، وينعمونها إن كانت صالحة، فهل يستطيع أحدٌ أن يخرج روح الميت من قبضة الملائكة الموكلين بها؟! فإذا كانت الأرواح ممسكة عند ربها بحسب الآية وموكلٌ بها حفظة أقوياء مهرة، فهل يمكن أن تتفلت لتأتي إلى رجلٍ يقول إنه حضر روح فلان وفلان؟! وإذا كان هذا الشخص الميت صالحاً ينعم في قبره، أو من الشهداء الذين أخبرنا الله عنهم وأخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم عنهم: (إن أرواح الشهداء في حواصل طيرٍ خضر تسرح بهم في رياض الجنة) فهل هذه الروح مستعدة أن تترك النعيم لتأتي إلى هذا الرجل، أو إلى الشيطان، أو إلى الجني، أو إلى الدجال، أو إلى الذي يحضر الأرواح ليلتقي بولده وهو منعمٌ أصلاً في ذلك المكان؟! إذاً: المسألة واضحة ولله الحمد والمنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015