كان الشافعي رحمه الله كان له مناظرات، فكان من مناظراته لمن كان يمنع الدعاء بشيء من خارج القرآن في الصلاة، كان بعض أهل العلم يرون أن الدعاء في الصلاة لابد أن يكون من القرآن: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] وأنك إذا دعوت بشيء من خارج القرآن لا يجوز لك ذلك، فناظر الشافعي واحداً من هؤلاء، وقال له: ماذا تقول في الصلاة بغير ما في القرآن؟ قال: تفسد صلاته، وإن دعا بما في القرآن لا تفسد.
قال: فقلت له: أرأيت إن قال: أطعمنا بقلاً وقثاءً وفوماً وعدساً وبصلاً، ما هو الحكم؟ قال: تفسد صلاته، قال: أنت تقول بفسادها، وأنت تقول: يجوز أن تدعو بما في القرآن، قال الآخر: فماذا تقول أنت؟ قال الشافعي: ما يجوز أن يدعو به المرء في غير الصلاة جاز أن يدعو به في الصلاة؛ لأن المخاطب في ذلك ليست إلى الآدميين- المصلي إذا دعا لا يتكلم مع الآدميين وإنما يدعو ربه- وإنما الخبر أنه لا يصلح في الصلاة شيء من كلام الناس، هذا الذي يفسدها؛ أن يكلم الناس بعضهم بعضاً، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لقوم وسماهم بأسمائهم.
النبي صلى الله عليه وسلم قنت ودعا على أناس وسماهم بأسمائهم، وعلى عصية ورعل وذكوان، ودعا وقال: اللهم أنجي الوليد بن الوليد وغيره ممن دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فسماهم بأسمائهم، ونسبهم إلى قبائلهم.
وهذا كله يدل على أن المحرم من الكلام إنما هو كلام الناس بعضهم بعضاً في حوائجهم، فأما ما دعا به المرء ربه تبارك وتعالى وسأله إياه، فهذا لا أعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من اختلف فيه.
والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء، فإنه قمن- أي: حري- أن يستجاب لكم) ولم يخص النبي صلى الله عليه وسلم دعاء دون دعاء، وكلما كان يجوز أن يسأل الرجل ربه في غير الصلاة، فهو جائز في الصلاة.