الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين بعثه رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه وذريته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله! لا نتمنى المرض ولا الفقر، ونسأل الله العافية والغنى عن الناس، لكن لو أصابنا شيء من ذلك هل هو دليل على أن الله يكرهنا ويبغضنا؟ لا.
بل هو دليل على: (إذا أحب الله عبداً ابتلاه).
إذاً ننظر بمنظار الشرع، والفقر مع أنه مكروه لنا، لكن فيه إيجابيات عظيمة إذا حصل، ونحن لا نتمناه، ففي الترمذي وهو حديث صحيح عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة -من الجوع والفقر يُغشى على الواحد ويسقط في الصف وهو أثناء الصلاة- وهم أهل الصفة رضي الله عنهم؛ حتى يقول الأعراب الذين لا فقه لهم: هؤلاء مجانين، فإذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إليهم مواسياً -على هذا الوضع كان المجتمع وكان هناك جوع عظيم، لكن صبروا رضي الله عنهم وحصلّوا- انصرف إليهم فقال: لو تعلمون مالكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة).
ريح فم الصائم عندنا مكروهة، ننفر منها ولاشك في ذلك، لكن عند الله ماذا تعني؟ وما منزلته؟ وما قيمتها؟ قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) نتيجة تغير رائحة الفم بخلو الجوف من الطعام تخرج الرائحة الكريهة، لكن هذه الرائحة الكريهة عندنا، هي عند الله أطيب من ريح المسك، فهذا يفيدنا لو رأيناها أو شممناها وأحسسنا بها؛ ألا نحتقر ذلك، لأنها عند الله أطيب من ريح المسك.
الرجل المقام عليه الحد كثير من الناس ينظر إليه باحتقار واشمئزاز؛ لأنه فعل هذه الجريمة، لكن هو إذا تاب وأقيم عليه الحد، فله عند الله شأن عظيم، لكن ربما بعض الناس يشمئز من هذا المحدود الذي أقيم عليه الحد، ولذلك لما رُجم ماعز كان ممن رماه خالد بلحي جمل فتنضح الدم على وجه خالد فسبه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (مه يا خالد -نهره- لقد تاب توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم) توبة عظيمة، فنظرتنا إلى التائب المحدود يجب أن تكون من خلال الشريعة.
وفي رواية لـ أبي داود وأحمد حسنها بعض أهل العلم، (قال خالد بن اللجلاج: إن أباه حدثه قال: بينما نحن في السوق، إذ مرت امرأة تحمل صبياً، فثار الناس وثُرت معهم، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: من أبو هذا؟ -هذه المرأة متهمة بالفاحشة، وقد ولدت من الفاحشة، في التحقيق النبي عليه الصلاة والسلام يسأل: من أبو هذا؟ - فسكتت، فقال شاب: بحذائها يا رسول الله! إنها حديثة السن، حديثة عهد بجزية، وليس عندها فقه وربما لا تستطيع الكلام، وإنها لم تخبرك، وأنا أبوه يا رسول الله، فالتفت إلى من عنده كأنه يسألهم عنه، فقالوا: ما علمنا إلا خيراً عن هذا الشاب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحصنت؟ -سبق لك الزواج- قال: نعم، فأمر برجمه) مادام أنه اعترف فأمر برجمه: (فذهبنا فحفرنا له حتى أمكنا ورميناه بالحجارة حتى هدأ -مات- ثم رجعنا إلى مجالسنا، فبينما نحن كذلك، إذ أنا بشيخ يسأل عن الفتى، أين الفتى؟ فقمنا إليه، فأخذنا بتلابيبه فجئنا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله! إن هذا جاء يسأل عن الخبيث؟ فقال: مه! كفوا -كلمة سيئة أن تصفوه بالخبيث!! - لهو أطيب عند الله ريحاً من المسك) تاب وكُفر عن ذنبه في الدنيا بإقامة الحد، قال: (فذهبنا فأعناه على غسله وحنوطه وتكفينه، وحفرنا له) ولا أدري أذكر الصلاة أم لا، ولكن يصلى على الذي يقام عليه الحد.
هذا إذاً بالنسبة لهذا التائب، بعض الناس يشمئز من المحدود الذي أقيم عليه الحد، وربما يصفه بالخبيث.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أوليائك وحزبك المفلحين، اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، وانصر المجاهدين يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من أوليائك ولا تجعلنا من أعدائك، اللهم اجعلنا فيمن أحببتهم ولا تجعلنا فيمن أبغضتهم يا سميع الدعاء.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.