ونحن نستعرض في هذا المقام جانباً من جوانب عظمة شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله على نورٍ من ربه، ويصبر على الأذى في سبيل هذه الدعوة، وصبره صلى الله عليه وسلم على الأذى يتمثل في أحداث كثيرة تمَّت في حياته صلى الله عليه وسلم؛ من مواجهته للكفار والمشركين والمنافقين، وفي عامٍ واحد وهو العام العاشر من البعثة يتوفى الله تعالى خديجة رضي الله عنها ويموت أبو طالب، فيطمع كفار قريش في أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يكونوا يطمعون قبل ذلك، وأذية الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم تتمثل في جوانب كثيرة: أولاً: الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله عز وجل: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} [الأنبياء:36] أن يهزأ المبطل بالمحق، وأن يسخر السفيه بالعاقل، تلك والله أذية كبيرة تقع كالصخر على صدر الذي يتعرض لهذا النوع من الأذى، رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنه على الحق وهم يستهزئون به: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً} [الفرقان:41] يستهزئون بشخصيته صلى الله عليه وسلم، ولكنه يصبر على هذا الأذى وهو يتفكر في قول الله تعالى يسري عن شخصه صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام:10].
لقد دارت دائرة السوء عليهم، وهذا الاستهزاء الذي استهزءوا به قد أصبح وبالاً عليهم.