رجل العقيدة داعية إلى الله عزوجل أينما حل وارتحل، في كل مكان ينشر العقيدة، وهؤلاء رجال العقيدة الذين يدعون إلى الله، يدعون الناس سراً وجهاراً وليلاً ونهاراً، بشتى الأساليب وشتى الأزمان، إن أحدهم كان يقطع البلاد من بلد إلى بلد ومن قرية إلى قرية في عشرين يوماً، وفي بعض الأحيان يُصبح في بلد ويتغدى في آخر، ويمسي في ثالث وينام في رابع؛ وينام ساعة أو بعض ساعة في اليوم الواحد، وأصحابه يتحدثون حوله.
إن رجل العقيدة يدعو إلى الله في كل وقت حتى لو كان في السجن انظروا إلى يوسف عليه السلام: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:39].
وانظر إلى دور الإمام أحمد في السجن وكذلك ابن تيمية وغيرهم، حتى أن بعض المساجين ممن قد انتهت مدتهم كانوا يختارون البقاء في السجن مع أولئك العلماء القدوات من رجال العقيدة ليواصلوا تعلمهم.
ورجل العقيدة: يكون حيث تكون المصلحة لا يتطلع إلى أشياء من الدنيا، ويقول: ضعوني هنا ولا يُعجبني هذا المكان، إنه يكون حيث تكون مصلحة الإسلام (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة).
قال ابن كثير رحمه الله في البداية: "كتب الصديق إلى عمرو بن العاص يستنفره إلى الشام، فقال له: إني كنت قد رددتك على العمل الذي ولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه لك مرة، وقد أحببت يا أبا عبد الله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك، إلا أن يكون ما أنت فيه هو أحب إليك".
انظر الأسلوب التربوي في تحويل الأشخاص من مكان إلى آخر، فماذا قال عمرو بن العاص؟ "كتب إلى أبي بكر: إني سهم من سهام الإسلام، وأنت عبد الله الرامي بها والجامع لها، فانظر أشدها وأخشاها فارم بي فيها".
أي: ضعني حيث تريد فأنا مستعد أن أعمل، وبعض الناس كونه يوجد في هذا المكان ويسد هذه الثغرة يعترض ويقول: لا أريد أن أكون فيها، لأن هذه الثغرة ما فيها إلا قلة، ولا يوجد أحد يعرفني فيها ولا يحترمني، فأنا أريد أن أكون هناك حيث تشرأب إليَّ الأعناق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.