ورجل العقيدة: يهتم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اهتماماً عظيماً في تعلمها وجمعها وتطبيقها وتمييز صحيحها من سقيمها، فهو يميز الأحاديث الضعيفة من الأحاديث الصحيحة، ولا يأخذ بأي حديث سمعه، وإنما يبحث عن صحته لكي يعمل به ويرويه للناس.
لا يجوز أن نروي حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولسنا متأكدين من صحته، فضلاً عن أن نكون متأكدين من ضعفه أو كذبه: (من حدَّث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبِين، أو الكاذبَين) لا يجوز لك أن تحدث بحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأنت لم تتأكد من صحته، هذا فضلاً عن أن تحدث به وأنت تعلم أنه ضعيف أو موضوع؛ هذه جريمة أكبر من الأولى.
والآن لا يخلو واعظ أو خطيب أو محاضر إلا وتجد في ثنايا كلامه أحاديث ضعيفة أو مكذوبة، يقولون: ترقق قلوب الناس تؤثر في الناس نستغلها لصالح الرسول الله صلى الله وسلم! كذبوا والله، وافتروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كذباً، نحن لسنا يهوداً، والغاية عندنا لا تبرر الوسيلة، وإنما الوسائل لها حكم المقاصد، إذا كان مقصدك صحيح لا بد أن تكون وسيلتك صحيحة.
بعض الناس يأخذ أحاديث مثل: (إذا دمعت عيني اليتيم، وقعت دموعه في كف الرحمن فيأخذها، ويقول: من أبكى هذا اليتيم؟ أعطيت الجنة من أسكته) كلام مؤثر، لكن الحديث لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يجوز لنا أن نأخذ به؟!! ولذلك قام رجال الأمة الذين قيضهم الله لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فما تركوا شيئاً إلا بينوه، فجردوا أسماء الضعفاء، وأسماء الثقات، وبينوا درجات الأحاديث، وبينوا ثقة الرجال من ضعفهم، وجردوا الأحاديث المكذوبة والمصنوعة في الكتب حتى تبين للناس ما هو الحق، ولا زالت الأمور في تنقيح واجتهاد يتوالى عليه الناس المجتهدون منهم في هذا الأمر جيلاً بعد جيل، دلالةً على أن الله يحفظ هذا الدين بحفظ القرآن والسنة.
وكذلك من حق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل العقيدة: أنه يقدم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلام كل أحد، وإذا تعارض كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كلام البشر يقدم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويترك كلام ذلك الشخص.
عن وبرة قال: كنت جالساً عند ابن عمر، فجاء رجل، فقال: أيصلح لي أن أطوف بالبيت قبل أن آتي الموقف؟ فقال: نعم.
فقال: فإن ابن عباس يقول: لا تطف بالبيت حتى تأتي الموقف، فقال ابن عمر: (فقد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت قبل أن يأتي الموقف، فبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تأخذ أو بقول ابن عباس إن كنت صادقاً؟!) رواه مسلم.
والاهتمام بالسنة من مقتضيات شهادة أن محمداً رسول الله، بعض الناس يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وهو يُهمل السنن ولا يطبقها، وإذا جاءت سنة يقول: هذه أشياء تافهة، وهذه قشور، وهذه أمور جانبية، اتركنا من اللحية، واتركنا من إسبال الثوب، ودعنا من تحريك الإصبع في الصلاة ووضع اليدين على الصدر؛ هذه قشور، لا ينبغي أن نشتغل بها، سبحان الله العظيم! ماذا كان يفعل الرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إذا كان كلام هؤلاء المجرمين صحيحاً فمعناه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كوم السنن الصغيرة حتى إذا كانت آخر دقائق من حياته قال: يا مسلمون! إني كنت أشغلكم بالجهاد وبالأمور الكبيرة، وأنا الآن سوف أذكر لكم السنن الصغيرة في آخر عمري؛ لأني ما أردت أن أشغلكم بها من البداية، ثم مات.
هذا معنى كلامه.
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم الناس الأمور الصغيرة والكبيرة بالتوازن.
لو كان عندك كافر تطبق عليه حديث معاذ: (فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله -هذا أول شيء- فإن هم أطاعوك لذلك فأعلموهم بأن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) الحديث.
فلو أسلم الكافر فيجب أن نعلمه جميع الدين، يجب أن نكون أمناء في تقديم الدين، لا نقول: نقدم بعضه للناس ونترك بعضه، وبعد عشرين سنة نبدأ نعلمهم هذه الأشياء الصغيرة، سبحان الله! هذه طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم؟! ومن المسائل الخطيرة التي تحدث في هذا العصر وتخرج بها كتب جديدة إلى الأسواق، هذه المسألة من مذهب المعتزلة في تقديم العقل على النقل، وربما تظنون أن هذا الكلام نظري وصعب، لكن لو أخبرتكم أن رجلاً من المسلمين قد أخرج كتاباً في هذه السنة (1409هـ) يقول فيه: إن حديث موسى أنه لطم عين ملك الموت ففقأها، مع أنه صحيح وثابت لكنه غير معقول؛ لأن موسى لا يلطم عين ملك الموت فيفقأها، فالحديث لا نقبله، وببساطة شطَّب الحديث.
حديث: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) رواه البخاري.
يقولون: هذه أشياء وعادات وتقاليد، ونحن لسنا مكلفين أن ننقل تقاليد عبس وذبيان إلى أمريكا واستراليا.
قالوا: والرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث لما سمع أن بنت كسرى تولت زمام الملك، لكن لو رأى جولدا مائير لقال غير هذا الكلام! سبحان الله! كبرت كلمة تخرج من فمه، اللهم لا تسلطه على أحد من المسلمين، وامحقه وأفكاره التي يريد أن يسمم بها عقول المسلمين.
اللهم قاتل معتزلة القرن العشرين، وامحقهم يا رب العالمين، ولا تجعل لهم سناناً ولا لساناً مسلطاً على المسلمين.
أيها الإخوة! نحن نعيش في أخطار الكتب والأشرطة تُقذف إلينا سموم من هذا المنهج الرديء تقديم العقل على النصوص الشرعية كقولهم: صحيح البخاري لا نأخذ به، وإذا كان هناك حديث ثابت لم يعجبهم يقولون: هذا لا يُوافق طبيعة العصر الذي نعيش فيه أين الإسلام؟! أين الاستسلام لله بالطاعة والانقياد له؟! اللهم اهد من كان ضالاً من المسلمين.