ولنا أن نلقي الآن نظرة أيها الإخوة على الشروط الفاسدة وأمثلتها.
المثال الأول: إذا اشترط الرجل على امرأته ألا مهر لها، فإن العقد صحيح والشرط باطل، لأن المهر من حقوق المرأة التي تستحقها، فلا يسقط بنفيه لهذا المهر، قال الله: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4] وقال قتادة: فريضة من الله واجبة، والآية تدل على وجوب المهر، وقد أجمع العلماء على ذلك فلا يصح التواطؤ على تركه، فإذا اشترط الرجل على زوجته ألا مهر لها، كما يقولون الآن في زواج المسيار: لا مهر فيه، يتزوجها ولا يعطيها شيئاً.
ولنعلم أيها الإخوة أن بعض هذه الأسماء مختلف عليها بين الناس، فإذا جئت لإنسان تقول: عرف لي زواج المسيار؟ أعطاك رأياً، وإذا قلت لثان: عرف لي زواج المسيار؟ أعطاك رأياً آخر، وهكذا، فنحن نتكلم بغض النظر عن الأسماء، لو شرط عليها ألا مهر لها ووافقت وانعقد العقد، فالعقد صحيح بالشروط الشرعية: الولي، وشاهدين والإيجاب والقبول إلى آخر ذلك، ولكن الشرط باطل، فإذا طالبته بعد ذلك بمهرها وجب عليه أن يعطيها المهر، وإذا سكتت، أو تنازلت له عنه، فإن العقد صحيح، وهي على ما أرادت وعلى ما تنازلت.
مثال ثان: إذا اشترط الزوج عند العقد على امرأته ألا ينفق عليها، وهذا أيضاً داخل في زواج المسيار الذي يسمونه في بعض الأحيان، فهذا الشرط باطل، ولكن العقد صحيح، ويلزم الزوج أن ينفق على زوجته: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق:7].
وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لـ هند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها من غير علمه بما يكفيها بالمعروف، ثم إن المرأة قبل العقد لم تستحق النفقة، فكيف تتنازل عنها، تستحق النفقة بعد العقد، فإذا انعقد العقد وسلمت نفسها، استحقت النفقة، فلها المطالبة بها، ولا يعتبر إلغاؤها من قبلها قبل العقد مسقطاً للنفقة عن الزوج، فإذاً يحق لها أن تطالب بالنفقة بعد ذلك، ولكن ما حكم العقد؟ العقد صحيح، إذا توافرت فيه الشروط.
مثال ثالث: وكذلك فإن من الشروط الفاسدة نفي التوارث بينهما، وهذا كلام سمعناه في زواج المسيار أو في غيره، أن يقول لها: أشترط عليك ألا ترثي شيئاً بعد وفاتي، فهذا الشرط فاسد باطل لا يجوز العمل به، قال الله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء:12] إلى قوله: {فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12].
فالإرث أثر من آثار عقد النكاح ولا بد من إعطائه لصاحبه، والتنازل عنه قبل العقد تنازل عن لا شيء، لأنها لم تستحق الإرث ولا هو استحقه حتى يتنازل، فإذا انعقد العقد فالعقد صحيح والشرط باطل، وترث منه رغماً عن كل أوليائه، ويرث منها رغماً عن كل ورثتها، فهذه بعض الأمثلة، ونتابع الكلام إن شاء الله.
ونسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وصبحه وأزواجه وذريته الطيبين الطاهرين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله! مثال رابع على الشروط الفاسدة: أن يشترط أحد الزوجين على صاحبه عدم الوطء، فهذا شرط فاسد؛ لمخالفته مقصود النكاح الذي شرع من أجله، ويصح النكاح والشرط فاسد.
واختار شيخ الإسلام رحمه الله أن الزوج إذا اشترط على الزوجة ألا يطأها فالشرط باطل، لأنها لا يمكن أن تعف إلا بذلك، فلا يمكن أن تتزوج زوجاً آخر وهي في عصمته، فليس لها طريق إلى العفة إلا من طريقه هو، فالشرط فاسد، وأما إذا اشترطت هي عليه أن لا يطأها، فرأى شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا بأس بذلك، لأنه يمكن أن يعف نفسه من غيرها، ويتزوج غيرها أو يتسرى.
مثال خامس على الشروط الفاسدة: إذا اشترط الزوج على امرأته ألا قسم لها، هو متزوج بزوجة فتزوج امرأة أخرى ثانية، وقال: أنا لا أريد مشكلات مع زوجتي الأولى، فأنت على الاحتياط، عندما أريد أسير عليك، وهذا الذي أخذوا منه زواج المسيار بزعمهم، ولا يوجد مثل هذا الاسم في كتب الفقهاء، وإنما هو من اختراعات الناس، عندما أريد أسير عليك في الوقت الذي أريده، فقال: شرطي ألا قسم لك، فهذا الشرط لاغ والعقد صحيح، وبعد العقد يجوز لها أن تطالب بليلتها، فإذا سكتت وسارت الأمور على ما هي عليه، وقالت في نفسها: أخشى إذا طالبته أن يطلقني، فالعقد صحيح باق على حاله، وكذلك لو اشترطت هي أن يفضلها على ضرتها، فقالت: أشترط عليك أن لي ليلتين ولها ليلة، فالشرط باطل لاغ، والعقد صحيح.
وإذا طالبت ضرتها بليلة وليلة، فيجب عليه الوفاء بذلك، والزوج لا يملك أن يفضل بين نسائه شرعاً، ويجب عليه العدل بينهن: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك) أي: ميل القلب.
وجمهور العلماء يقولون بوجوب العدل بين النساء في كل ما يملكه الزوج ويقدر عليه، ومنه ما يقع في زواج المسيار، أن يشترط عليها ألا يبيت عندها، أو يأتيها في النهار إذا أراد.
وحيث قلنا: إن العدل بين النساء واجب، وليس من حق الزوج اشتراط عدم العدل عند العقد، لأن ذلك من حقوق المرأة، فإنها بعد العقد صار حقاً لها أن تتنازل عنه، أو تلزمه به، فتقول له: أنا أسامحك في ألا تأتيني إلا نهاراً بعد العقد، أو تسكت عن المطالبة بحقها في الليل، والعقد صحيح باق، لكن إذا طالبت يلزمه أن يفي به، ولا يستطيع أن يجبرها على البقاء عنده، وتنازل الزوجة عن ليلتها لزوجة أخرى بعد الزواج قد جاء في السنة، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلق سودة بنت زمعة قالت: يا رسول الله! امسكني وأهب يومي لـ عائشة، وأرادت أن تحوز على الفضل في بقائها زوجته في الدنيا والآخرة، فوافقت على أن تهب يومها لـ عائشة، فصار النبي صلى الله وسلم يقسم لـ عائشة يومها ويوم سودة.
مثال سادس على الشروط الفاسدة: إذا اشترط الرجل على امرأته ألا تزور أهلها ولا ترى أقاربها، ولا تدخل بيتهم، فإن الشرط باطل، لأن في ذلك قطيعة للرحم، وهذا لا تقره الشريعة، وللمرأة الحق في المطالبة بأن يأذن لها في زيارة أهلها، لأن صلة الرحم عليها واجبة، وهذا شيء تقتضيه الطبيعة والجبلة الفطرية، إلا إذا ثبت للزوج أنهم يفسدونها عليه، وترجع من أهلها منقلبة على زوجها، تذيقه ألوان العذاب، فإن له الحق في منعها، لأنه إذا كان قد ثبت الفساد من رواء ذهابها إليهم، وإذا ذهب معها وجلس معها لينظر ويسمع، فهو أحسن وأفضل.
مثال ثامن: إذا اتفق الزوج مع المرأة أو مع وليها على مهر سري ومهر علني، والمهر العلني يقولون: نتباهى به أمام الناس، ونقول: زوجناها بمائتي ألف، وهم كذابون أشرون بطرون، فإنه لم يدفع لهم إلا أربعين ألفاً مثلاً، فما هو الحكم في ذلك؟ يصح العقد على ما وقع عليه، ما حصل عند العقد هو اللازم، ولا عبرة بما يعلن للناس طلباً للسمعة، وأحياناً في بعض البلدان هرباً من الضريبة، فيعلنون مهراً ويتفقون على آخر، فالمهر الذي انعقد عليه العقد هو اللازم، وهو الذي يجب عليه أن يدفعه، وإذا عقدوا عقدين، فالثاني تأكيد للأول، والعقد الأول بمهره هو اللازم على الزوج أن يفي به.
مثال تاسع: إذا اشترطت المرأة طلاق ضرتها، أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الشرط بقوله: (لا تسأل المرأة طلاق أختها، لتكفأ ما في صحفتها) كأن يكون عند أختها إناء فيه طعام، فجاءت الثانية التي طالبت بتطليق الأولى، فأخذت إناء طعامها فقلبته، فأبقتها بغير طعام، فهذا حرام، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم، أن تسأل المرأة طلاق ضرتها، فلا يجوز أن تقول له: شرطي عليك إذا تزوجتك أن تطلق الأولى، أو تقول: طلقها ثم تزوجني، فهذا حرام لا يجوز لما فيه من الضرر، ولما فيه من السعي لقطع نصيب الأولى.
مثال عاشر: جعل الطلاق حقاً للمرأة لا يصح اشتراط جعل الطلاق حقاً للمرأة كالرجل على الصحيح من أقوال أهل العلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق:1] أنتم يا معشر الرجال إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن، فأنتم الذين تطلقون، فإذا اشترطت عليه أن يكون مصيرها بيدها والطلاق بيدها، فالعقد صحيح والشرط باطل لاغٍ لا عبرة به على الصحيح من أقوال أهل العلم.
وبناءً على ما تقدم أيها الإخوة، يتبين حكم زواج المسيار بالتفصيل، وحكم غيره من الأنكحة، وبقيت عندنا أمور تحتاج إلى تغطية.
الزواج بنية الطلاق دون أن ينص عليه في العقد حكم وطء الخادمة على أنها ملك يمين حكم شراء امرأة من الخارج النكاح السري: كأن يأتي يعقد على امرأة في بلدها ويأتي بها على أنها خادمة، أو أن يتزوج امرأة طرف البلد أو في بلد آخر سراً، فما حكم النكاح السري؟ ولعلنا نغطي ذلك في خطبة بمشيئة الله بعد ثلاثة أسابيع بحول الله وقوته.