الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، الذي خلق فسوى وقدر فهدى لا إله إلا هو، أشهد أنه هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصبحه أجمعين، هو الرحمة المهداة، والسراج المنير، والبشير النذير، صلى الله عليه وعلى آله وذريته الطيبين الطاهرين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله! إن نكاح المتعة من الأنكحة المحرمة في شريعتنا هذه، وقد كان هذا الزواج، مباحاً في فترتين من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة) متفق عليه.
وفي رواية: (نهى عن متعة النساء يوم خيبر) متفق عليه، وأخرج الإمام مسلم في صحيحه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم الفتح -فتح مكة - عن متعة النساء) وفي رواية لـ مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع بالنساء، وإنه قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيءٌ فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً).
فإذاً النص صريح جداً في تحريم نكاح المتعة، وبعض الناس يستدلون بقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء:24] على إباحة نكاح المتعة، وبعض العلماء يقول: إنه ليس المقصود بها نكاح المتعة، وإنما الاستمتاع الذي يكون في النكاح العادي، فلا بد من المهر {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء:24].
ولو فرضنا أن المقصود بالآية نكاح المتعة فإنه قد نسخ بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يبين للناس ما نُزِّل إليهم من ربهم، فالسنة الصحيحة تنسخ آيات من القرآن أو تخصصها ونحو ذلك، كما أن السنة قد جاءت بتحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وتحريم لحم الحمار الأهلي، ولم يرد ذلك في القرآن، فالسنة تكمل القرآن وتشرحه وتبينه، وهذه وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أجمع العلماء واتفق أهل السنة والجماعة على تحريم نكاح المتعة، وهو نكاح لقضاء شهوة لا يوافق مقاصد الشريعة، قال الشافعي رحمه الله: "وجماع نكاح المتعة المنهي عنه كل نكاح كان إلى أجل من الآجال قرب أو بعد، وذلك مثل أن يقول الرجل للمرأة نكحتك يوماً أو عشراً أو شهراً، أو نكحتك حتى أخرج من هذا البلد، وما أشبه ذلك".
وقال ابن قدامة رحمه الله: "معنى نكاح المتعة: أن يتزوج المرأة مدة مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهراً أو سنة أو إلى انقضاء الموسم، أو إلى قدوم الحج".
سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة، كزوجتك ابنتي شهراً (مدة معلومة) أو زوجتك ابنتي حتى يأتي فلان من سفره (مدة مجهولة) وكلاهما حرام ونكاح متعة.
فهذا نكاح باطل نص عليه أحمد، فقال: "نكاح المتعة حرام، وقد نقل عن بعض الصحابة شيء يفيد إباحته، فما نقل عنهم يحمل على عدم بلوغ النسخ لهم"، ولذلك فلما بلغ بعضهم النسخ -وهم قلة قليلة- رجع عن القول بنكاح المتعة، وقال بتحريمه والحمد لله، ولذلك فلا شبهة ولا إشكال عند أهل السنة والجماعة في أن نكاح المتعة حرام، ولكنه كان قد أبيح في فترتين قبل خيبر وفتح مكة يسيرتين لأجل سفر في غزو، ثم حرم بعد ذلك، وكان التحريم إلى يوم القيامة.
ولا يمكن أن يتوافق هذا النكاح مع مقصد الشريعة في إقامة أسرة وإنجاب أولاد، وسكن بين الزوجين ونحو ذلك، والذين يقولون من أهل البدع: إن في نكاح المتعة حلاً لمشاكل الشباب الجنسية، فنقول: ائتوا بالحلول من الكتاب والسنة، وأما أن تأتوا بحلول محرمة فإنها ليست بحلول، ثم إنكم تريدون أن تحلوا مشكلة الشباب الذكور الجنسية، وتهملوا مشكلة النساء اللاتي يتزوجن يوماً أو شهراً أو سنة ثم بعد ذلك تترك، وتكون القضية مجرد قضاء وطر، وينتج ولد ولا يدرى لمن، وتستعجل فتعقد على غير نكاح متعة مما يجر إلى آخر ذلك من الفساد الذي يجر إليه هذا النوع من النكاح، نسأل الله السلامة والعافية.
اللهم إن نسألك أن تطهر فروجنا وتحصنها يا رب العالمين بالحلال، اجعل بيننا وبين الحرام برزخاً وحجراً محجوراً، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمن سواك، اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين وسائر بلاد المسلمين وانصر المجاهدين، واحم حوزة الدين، واقمع أهل البدعة والمبتدعين، اللهم أظهر السنة في البلاد، اللهم اجعلها عامرة بذكرك يا رب العالمين، ووفقنا لكل ما فيه خير وصلاح للإسلام والمسلمين.
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.