النبي عليه الصلاة والسلام رأى رؤيا فقصها على أصحابه، رأى أنه على حوض يسقي الناس، وأتى أبو بكر فأخذ الدلو ليريح النبي عليه الصلاة والسلام، فنزع ذنوبين، وفي نزعه ضعف والله يغفر له، فأتى عمر بن الخطاب فأخذ منه، فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض يتفجر، ففسروه على أن الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب تكون شاملة وكبيرة، وعهد الصديق كان سنتين وأشهر، انشغل فيه بقتال المرتدين، وإرساء دعائم الإسلام، وما كان عمر يستطيع أن يفتح لولا أن أبا بكر قد مهد الأمر بوضع القواعد والأسس، وأن الإسلام قد استتب في الجزيرة بمحاربة المرتدين.
خلافة عمر استمرت فوق عشر سنوات، ولذلك فتح الله الأمصار في عهده، والنبي صلى الله عليه وسلم رأى أن عمر بن الخطاب عليه قميص يجتره فأوَّله بالدين، يعني: أن دين عمر كامل وسابغ، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يشرب لبناً وأنه خرج من أظفاره الري وأنه أعطى الفضل لـ عمر، وأول اللبن هنا بالعلم، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم قصراً وامرأة تتوضأ بجانب القصر، فقال: (لمن القصر؟ فقيل: لـ عمر؟ فذكرت غيرتك فوليت مدبراً، فبكى عمر رضي الله تعالى عنه).
رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه هاجر إلى أرض ذات نخل، ذهب وأهله إلى أرض اليمامة أو هجر، فإذا المدينة هي يثرب، ورأى رؤيا أنه انثلم سيفه، فانقطع صدره، فإذا هو ما وقع بالمؤمنين يوم أحد من مصيبة، ثم هزه مرة أخرى فإذا هو راجع كما كان، فأوله ما جاء الله به من فتح واجتماع المؤمنين، ورأى في المنام بقراً تذبح، وكان تأويلها النفر من المؤمنين -السبعين- الذين أصيبوا في أحد وقتلوا، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أناساً من أمته، غزاة في سبيل الله يركبون ثبج البحر كالملوك على الأسرة، فأخبر أصحابه بذلك واستيقظ يضحك، فسألت أم حرام بنت ملحان، أن يجعلها الله منهم، فدعا لها، فهكذا حصل وركبت البحر زمن معاوية وغزت، وخرجت من الساحل وركبت الدابة فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت وذهبت شهيدة إلى الله سبحانه وتعالى.
وكذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة أنه في دار عقبة بن رافع، وأنه أوتي برطب من رطب مرطاب فأولها بالرفعة لنا في الدين، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب، وكذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم زوجته عائشة يحملها الملك جبريل في سرقة من حرير، ويقول هذه امرأتك، فيكشفها فإذا هي عائشة، هذا الكلام قبل أن يتزوج عائشة بمدة، ويقول: إن يكن من عند الله يمضه، وفعلاً تزوج النبي صلى الله عائشة، ورأى النبي عليه الصلاة والسلام امرأة سوداء ثائرة الرأس، خرجت من المدينة حتى نزلت الجحفة، فأولها: بأن وباء المدينة خرج من المدينة ونقل إلى الجحفة، وهذا الحديث في البخاري.
والصحابة رأوا رؤى؛ منها ما تقدم أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤاكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها) ورؤيا الأذان كذلك من رؤيا الصحابة رضوان الله تعالى عنهم، وغير هذه من الرؤى التي رآها الأنبياء والصالحون من بعدهم، وربما الرؤيا أحياناً تذكر الإنسان بشيء، كأن يكون مجتهداً يفكر في أمر من الأمور، كمن عرضوا عليه قضية صلاة الجنازة على شخص مشكوك فيه، ما يدري هل هو مسلم أم كافر؟ فماذا يقول في صلاة الجنازة؟ فقيل: أن أحد أهل العلم وهو شيخ الإسلام رحمه الله عرضت المسألة عليه ونام، فرأى رؤيا وكأن أحداً يقول له: الشرط يا أحمد! الشرط يا أحمد! ففهم من ذلك أن يشرط في الدعاء، يعني أنه يقول في الدعاء: اللهم إن كان صاحب هذه الجنازة مؤمناً فاغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، وهكذا، فيقول الشرط، إن كان صاحب هذه الجنازة مؤمناً فيدعو له بالمغفرة والرحمة، وكذلك إذا اشتبه في كونه مؤمناً أو كافراً أو ما يدرى عن حاله، وكذلك يمكن أن تحصل رؤيا تدل شخصاً على شيء مفقود، كما حصل لبعض القضاة وكان قد وضع عنده صك قرض لبعض من جاء يستفتيه في مسألة العقار، فقال القاضي: انظر فيها وضعها في مكان وتفي، وجاء أصحاب الصك يريدونه فما عثر عليه الورثة، وصارت المسألة في حرج على أولئك وعلى هؤلاء، فرأى ولد القاضي في المنام أن الشيخ يقول له: أنظرها في المكان كذا من الدرجة، في مكان وضعتها فيه، فقام من النوم، وذهب فعلاً فوجدها في نفس المكان الذي قيل له في المنام أن أباه قد وضعها فيه، وجاء وأعطاها لأصحابها وقال: إنه رحمه الله دلني على المكان في المنام، وقد تقع عجائب من هذا القبيل، وهذا لا حرج في ثبوته وتصديقه، وممكن أن يكون حقاً، وأخبار الرؤى كثيرة جداً وتكفي القواعد التي تقدم ذكرها.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يقر أعيننا بدينه ونصرة دينه، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يجعلنا من أهل الصلاح والتقوى، والمتمسكين بالعروة الوثقى، وأن يجعلنا من أهل الصدق، وصلى الله وسلم على نبيا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.