السؤال عن الرؤيا

والسؤال عن الرؤيا لا بأس به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا صلى الصبح أقبل على أصحابه، ويقول: هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟ من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له) كان يقول لأصحابه هذا الكلام بعد الفجر خاصة؛ لأن الرائي يكون صافي الذهن، والعابر يكون حاضر الذهن، ورؤى الأسحار -كما تقدم- من أصدق الرؤى، ومرة ما قص عليه أحد شيء، فأخبر عن رؤيا رآها، وأخبر عما حصل فيها.

تقص الرؤيا على صاحب مودة وعلى ذي علم، كما جاء في الحديث، ولا تقص على حاسد، ولذلك كان يعقوب حكيماً لما قال ليوسف: {لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف:5] لأن إخوتك حسدة، حسدوك على النعمة التي أعطاك الله إياها، فلا تقصصها على حاسد: {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً} [يوسف:5].

هل يمكن للإنسان إذا أخبر جاهلاً برؤيا ففسرها وعبرها أنها تقع فعلاً على هذا النحو الذي عبرها به؟ ممكن، وقد جاء حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، تكلم العلماء في صحته، بعضهم صححه وبعضهم لم يصححه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (إن الرؤيا تقع على ما تعبر به، ومثل ذلك كمثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها) إذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحاً أو عالماً، الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت.

وقد يقال: ممكن الآن واحد يقص الرؤيا على كذا شخص وكل واحد يفسرها له تفسيراً مختلفاً، فعلى أي تفسير تقع؟ قال بعضهم: تقع على أول معبر، واشترط بعضهم أن يكون أول عابر يصيب وجه التعبير الصحيح، وإذا أول عابر ما أصاب وجه التعبير الصحيح، وقال كلاماً من عنده خلطاً وما أصاب، فأول واحد يصيب بعده، يقع تعبير الرؤيا بناءً على كلامه، فإذاً على أول معبر يعبرها بشكل صحيح.

هناك قصة حسنه رواها الدارمي، حسن الحافظ ابن حجر رحمه الله إسنادها في الفتح: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر، يختلف في التجارة، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن زوجي غائب وتركني حاملاً فرأيت في المنام أن سارية بيتي انكسرت، وأني ولدت غلاماً أعور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خيرٌ، يرجع زوجك إن شاء الله صالحاً تلدين غلاماً براً، فذكرت ذلك له، فجاءت ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب، ذكرت ذلك ثلاثاً) الآن المرأة جاءت وسألت ثلاث مرات وهي تجاب بنفسه، جاءت مرة أخرى والنبي عليه الصلاة والسلام غائب، وعائشة موجودة، فسألت عائشة عن المنام، يعني: الآن ليس هناك داعي أن تسأل عائشة؛ لأنها سألت النبي عليه الصلاة والسلام وهو أصدق الناس، وأعرف الناس بالتأويل، فلماذا تسأل بعده؟ فربما أصبحت في عقوبة.

فـ عائشة ما كانت تدري عما قبل، فلما جاءت هذه المرأة وقالت: رأيت كذا وكذا، قالت عائشة: [لئن صدقت رؤياك، ليموتن زوجك، وتلدين غلاماً فاجراً] فقال: انكسرت سارية البيت، يعني: موت عمود البيت وهو الرجل، والغلام الأعور يعني: غلام فاجر، فقعدت تبكي المرأة هذه، فجاء رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (مه يا عائشة! إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فعبروها على خير؛ فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها، قالت عائشة: فمات والله زوجها، ولا أراها إلا ولدت غلاماً فاجراً) فقال بعضهم: لعله عقوبة لهذه المرأة حيث سألت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد سألت ثلاثاً وما اكتفت؟! فإذاً الرؤيا لا تقص على أي أحد، تقص على ناصح وواد، ليس على حاسد ولا على جاهل، وإنما صاحب علم، هذه الصفات التي ذكرناها لمن تقص عليه الرؤيا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015