الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبيله ورضوانه.
أما بعد: فيقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (الدين دينان: فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه، ومن مات وهو لا ينوي قضاءه فذاك الذي يؤخذ من حسناته يوم القيامة، ليس يومئذ دينار ولا درهم) وهو حديث صحيح بالحديث الآتي بعده، وهو: (من مات وعليه دين، فليس ثم دينار ولا درهم، ولكنها الحسنات والسيئات) وقال عليه السلام: (ما من أحد يدان ديناً يعلم الله منه أنه يريد قضاءه، إلا أداه الله عنه في الدنيا) وقال عليه السلام: (ما من عبد كانت له نية في أداء دينه، إلا كان له من الله عون) وقال عليه السلام: (من أخذ ديناً وهو يريد أن يؤديه أعانه الله) أحاديث صحيحة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى مع الدائن حتى يقضي دينه، ما لم يكن دينه فيما يكره الله) ومما يكره الله ويبغضه هذا التبذير الذي يلجئ الكثيرين من ضعاف العقول اليوم إلى الاستدانة، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الآخر: (أيما رجل تدَّين ديناً وهو مجمع -أي عازم- ألا يوفيه لقي الله سارقاً) بعض الناس يستدينون وهو يعلم أنه لن يوفي الدين، فهذا سيلقى الله سارقاً.
وروى البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعظم حديث في هذا الباب: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري.
ورجح ابن حجر رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث أن المدين إذا مات قبل الوفاء بغير تقصير منه، كأن يعسر مثلاً، أو يفاجئه الموت وله مال مخبوء وكانت نيته أن يؤدي الدين من هذا المال فإنه لا يعتبر مؤاخذاً عند الله يوم القيامة، ولا تبعة عليه في الآخرة، بحيث يؤخذ من حسناته لصاحب الدين، بل يتكفل الله عنه لصاحب الدين، والله عز وجل يوم القيامة يأتي الخصوم أمامه وكل واحد له عند أخيه مظلمة، فهذا عند أخيه أمانة، وهذا عنده دين ما أداه، فإن كان هذا المستدين معذرواً ورجل ملجأ استدان في مرضاة الله وتحرى الوفاء فما استطاع ومات، فهذا إذا شاء الله وتفضل فإن الله يتحمل عن صاحب الدَّيْن الدَّيْن، ويعطي ذلك الرجل المقرض حسنات من عنده عز وجل، دون أن ينقص من حسنات هذا شيئاً.
أما لو جاء مفرطاً مضيعاً لحقوق عباد الله، مبذراً للمال، لم ينو أداءه، فإنه يؤخذ من حسناته فتعطى لأخيه صاحب الدين، ولا تضيع حقوق الله عز وجل.