الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى قد قص علينا في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما يكون في اليوم الآخر من التفاصيل الكثيرة التي تكون للمؤمنين واعظاً، فيعلمون منها ما أعد الله سبحانه وتعالى في ذلك اليوم من الأهوال، وإذا كان الواحد يعيش في الدنيا سبعين سنة، فإن يوم القيامة طوله خمسون ألف سنة، أي: أن طول يوم القيامة أضعاف أضعاف ما يكون من عمر الإنسان في الدنيا، ويوم القيامة يبدأ من النفخ في الصور وينتهي بدخول أهل الجنة الجنة ودخول أهل النار النار.
فهذه الخمسون ألف سنة يكون الناس واقفين فيها قياماً على أرجلهم كما قال الله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6]، فليس فيها متكأ ولا مكان للراحة، ولكنه يمر على المؤمنين مروراً طيباً سهلا، ً يسهله الله عليهم بأعمالهم، وقد روى أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثاً من أحداث ذلك اليوم فقال: (يجمع الله الناس يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا، فيأتون آدم فيقولون: أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك، فاشفع لنا عند ربنا، فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته ويقول: ائتوا نوحاً أول رسول بعثه الله، فيأتونه فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته، ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلاً، فيأتونه فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته، ائتوا موسى الذي كلمه الله، فيأتونه فيقول: لست هناكم فيذكر خطيئته، ائتوا عيسى، فيأتونه فيقول: لست هناكم ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأستأذن على ربي فإذا رأيته وقعت له ساجداً فيدعني ما شاء الله ثم يقال لي: ارفع رأسك، وسل تعطَ، وقل يسمع، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمني، ثم أشفع فيحد لي حداً، ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود فأقع ساجداً مثله في الثالثة أو الرابعة حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن، وكان قتادة يقول عند هذا أي: وجب عليه الخلود).