آداب المناظرة

أما بالنسبة لآداب المناظرة والمناقشة، ونحن -كما قلنا يا إخوان- نتعرض لهذا في المجالس وفي الفصول الدراسية ويمكن أن يسافر بعضنا إلى الخارج ويلتقي بمن يثيرون الشبهات، وقد يفتح أحدنا موقع إنترنت فيجد فيها شبهات وهجوماً على الإسلام وأهل الإسلام، وتريد أن ترد، فيجب أن نعرف آداب المناظرة، فمن آدابها ما يلي: أولاً: الإخلاص لله تعالى: وهذا أصل الأصول؛ وعند الله لا يبقى إلا ما أريد به وجهه.

ثانياً: البدء بذكر الله والثناء عليه.

ثالثاً: التأدب في الجلوس.

رابعاً: اجتناب الهوى: قال الشافعي: ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ؛ سبحان الله! تجرد عن الهوى.

خامساً: الرجوع إلى الحق إذا تبين: ذكر علي رضي الله عنه في مسألة من المسائل جواباً، فقام رجلٌ ورد عليه بالدليل، فقال علي: [أصبتَ وأخطأتُ وفوق كل ذي علم عليم، أرجع إلى الحق صاغراً] اعتراف كامل وصريح وواضح، وما وجد أن الاعتراف سينقص من قدره، بالعكس كبر علي رضي الله عنه في أعيننا لما نقلت القصة أكثر وارتفع شأنه أكثر بهذا.

سادساً: التحلي بالحلم والصبر.

سابعاً: التريث: فقد يتراجع المجادل أو ينتقل إلى دليل آخر ويترك هذا، لأنه تبين له فساد الاستدلال به، أو يخطر أنت ببالك دليل آخر أو تكتشف خللاً فيما كنت تريد أن تقوله.

ثامناً: التزام الصدق: فلا نكذب، وهناك من يقول: في الكتاب الفلاني، وهو ليس موجوداً في الكتاب الفلاني، لماذا الكذب؟ تاسعاً: الترفق بالخصم: لأن المقصود إقناعه وهدايته، وليس فقط تحطيمه، فبعض الناس يحرص على كسب الموقف، والأهم من هذا كسب الرجل نفسه، كسب الرجل الآخر أهم من أنك تكسب الموقف وتظهره في مظهر العاجز، هذا يكون مع المعاندين الرافضين للحق تماماً فهذا يفحم أمام الناس حتى لا يغتروا به، لكن ابتداءً عندما نناقش من يخالفنا في شيء فينبغي أن نكسبه إلينا ولا نحطم رأسه أو نذله.

وعاشراً: حسن الاستماع لكلام الخصم، وأن تمهله حتى يفضي إليك بحديثه.

الحادي عشر: الإنصاف: شيخ الإسلام ابن تيمية عندما تكلم في بعض الأشخاص مثل: الجويني والباقلاني والمتكلمين قال: ثم ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساعٍ مشكورة وحسنات مبرورة، ولهم في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم وتكلم فيهم بعلمٍ وصدقٍ وعدلٍ وإنصاف، فهو رحمه الله ينصف المخالفين.

فإذا كان عند المخالفين مواقف مشكورة، نقول: عندهم أعمال مشكورة، أو كان لهم مواقف مبرورة، نقول: عندهم مواقف مبرورة، نقول عن أحدهم مثلاً: عنده أخطاء مثلاً في الصفات فهو مؤول، لكن عنده ردود جيدة على النصارى والملاحدة مثلاً، الإنصاف مهم، الإنصاف هو الذي يجعل الخصم يتبعك، وأتباع الخصم يسلمون لك، لكن عندما يرونك تتهجم على شيخهم بدون أدب، وتخطئه في كل ما يقول، لا يقبلون قولك.

الثاني عشر: إصلاح المنطق: أقصد بالمنطق الألفاظ والكلام والأسلوب والبيان والبلاغة، وهناك علم مهم جداً اسمه علم البيان، يعلمك كيف تعبر عن المعنى التي في نفسك بعبارة صحيحة، وهناك كتب له، وهو من علوم الآلة المهمة وبه ترى أشياء كثيرة من عظمة كتاب الله تعالى وإعجاز هذا الكلام الذي تكلم به سبحانه وتعالى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} [القصص:34].

والجواب في الأسد لا في الأشد، بعض الناس يظنون أن رفع الصوت هو الذي يفحم، والذي يفحم هو العبارة القوية الصحيحة المتينة في مكانها المناسب، الجواب في الأسد لا في الأشد.

الثالث عشر: تجنب المماراة وهذه لها منزلة في الجنة.

الرابع عشر: أن اختلاف الرأي لا يوجب فساد الود بين الإخوان، نحن الآن نتناقش في مسألة فقهية ليس فقط في مسائل عقيدة مع الضالين، حتى مع إخواننا في الله نتناقش في مسائل فقهية؛ قراءة الفاتحة للمأموم خلف الإمام في الصلاة الجهرية هل تشرع أو لا تشرع، الزكاة في ذهب الحلي هل هي واجبة أو غير واجبة، مسائل خلافية كثيرة ومناقشات، ينبغي أن تكون مناقشتنا العلمية بأسلوب مؤدب ولا تفسد ما بيننا من العلاقات، ولذلك يقول يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة، ثم افترقنا ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في المسألة؟! وكذلك يقول العباس العنبري: كنت عند أحمد بن حنبل وجاء علي بن المديني وهو على دابة، فتناظرا في مسألة وارتفعت الأصوات حتى خفت أن يقع بينها جفاء، فلما أراد علي الانصراف قام أحمد فأخذ بركابه؛ أخذ بركاب الدابة وكرمه وعززه وهو ينصرف، الاختلاف الفقهي ليس معناه فساد العلاقة الأخوية، يبقى الأدب والاحترام والحشمة للأخ المسلم وإن اختلفنا معه في مسائل فقهية علمية.

وهذا من أدب السلف المفقود بين كثيرٍ من الذين يعيشون من الخلف.

السادس عشر: تجنب ما يشوش الفكر أثناء النقاش: ألا يكون مثلاً محصوراً، أو فيه جوع، أو فيه تخمة.

السابع عشر: نصب حكم يحكم بينكما: لأن بعض الأطراف قد تنكر ما تقول، يقول أحدهم: ما قلت هذا القول وأنت تقولت علي، تقول له: قبل قليل قلت، والآن تراجعت، يقول: أنا ما قلت أصلاً، إذاً ضع مسجلة، أو من يكتب.

الثامن عشر: لا بأس باستعمال الأمثال: خصوصاً عندما تناقش بعض المبتدعة تقول في النهاية إذا انقطع: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الإسراء:81] {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} [الأنبياء:18] يأتي لك بحجة ضعيفة متهافتة تقول له: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت:41] وحجتك مثل بيت العنكبوت وكسراب بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً، فلا بأس باستعمال الأمثال من القرآن والسنة وكلام العرب.

والتاسع عشر: تجنب مناظرة السفيه والجاهل، لأنه لا توجد فائدة من مناظرة السفهاء.

العشرون: ملخص لهذه الآداب أسوقها إليكم من نونية الشيخ/ أبي محمد عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني، النونية معروفة بـ نونية القحطاني من أحلى وأعذب ما قيل:

لا تفن عمرك في الجدال مخاصماً إن الجدال يخل بالأديان

واحذر مجادلة الرجال فإنها تدعو إلى الشحناء والشنآن

وإذا اضطررت إلى الجدال ولم تجد لك مهرباً وتلاقت الصفان

فاجعل كتاب الله درعاً سابغاً والشرع سيفك وابد في الميدان

والسنة البيضاء دونك جنةً واركب جواد العزم في الجولان

واثبت بصبرك تحت ألوية الهدى فالصبر أوثق عدة الإنسان

واطعن برمح الحق كل معاندٍ لله در الفارس الطعان

واحمل بسيف الصدق حملة مخلصٍ متجردٍ لله غير جبان

واحذر بجهدك مكر خصمك إنه كالثعلب البري في الروغان

أصل الجدال من السؤال وفرعه حسن الجواب بأحسن التبيان

أحياناً تبدأ النقاش فتوجه إلى الخصم سؤالاً.

لا تلتفت عند السؤال ولا تعد لفظ السؤال كلاهما عيبان

وإذا غلبت الخصم لا تهزأ به فالعجب يخمد جمرة الإحسان

فلربما انهزم المحارب عامداً ثم انثنى قصداً على الفرسان

واسكت إذا وقع الخصوم وقعقعوا فلربما ألقوك في بحران

ولربما ضحك الخصوم لدهشة فاثبت ولا تنكل عن البرهان

فإذا أطالوا في الكلام فقل لهم إن البلاغة لجمت ببيان

لا تغضبن إذا سئلت ولا تصح فكلاهما خلقان مذمومان

واحذر مناظرة بمجلس خيفةٍ حتى تبدل خيفةً بأمان

ناظر أديباً منصفاً لك عاقلاً وانصفه أنت بحسب ما تريان

ويكون بينكما حكيمٌ حاكماً عدلاً إذا جئتاه تحتكمان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015