وكذلك فإنه سبحانه وتعالى أخبر مثلاً في مناقشة المشركين الذين ابتدعوا البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، أول مولود للناقة لا نأكله ولا نذبحه ولا نشرب من لبنه ولا نركب ظهره ولا نستعمله، فهو محرم، قال وهو سبحانه وتعالى يدمغهم بالحجة: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الأنعام:143] نحن نعرف أن الضأن اثنان والماعز اثنان، والبقر اثنان والإبل اثنان، كل واحد من الأصناف الأربعة فيه ذكر وأنثى، فيكون المجموع من الأزواج ثمانية سبحان الله! انظروا إلى الحجة البالغة، فلله الحجة البالغة، وهذا ليس كلام بشر يناقش المشركين، هذا كلام الله، كيف يقيم ربنا سبحانه وتعالى الحجة على المشركين؟ لما حرموا هذه الأشياء على غير دليل ولا برهان، قال: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الْأِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ} [الأنعام:143 - 144] هذا الاحتمال الثالث: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:144].
هذه طريقة السبر والتقسيم كما يسميها العلماء، فالله عز وجل خلق من كل زوجٍ ذكراً وأنثى، فلم حرمتم يا أيها العرب ويا كفار الجاهلية هذا المولود المعين؟! لماذا حرمتوه؟! ألأنه ذكر أم لأنه أنثى أم لأنه ذكر وأنثى؟! أنت تقول يا أيها المشرك العربي: إن أول بطن للناقة لا نستعمله إطلاقا، ً فلماذا؟ ألأنه ذكر أم لأنه أنثى أم لأن في بطن الناقة ذكراً وأنثى أم أن لديك دليلاً من رب العالمين على التحريم؟! {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا} [الأنعام:144] إذا كانت العلة في التحريم عندكم هي الذكورية، فحرموا كل الذكور، لماذا تحرمون أول نتاج فقط؟! وإذا كانت العلة هي الأنوثة، فحرموا كل الإناث، وإذا كانت العلة أنهما جميعاً، فحرموا الزوجين كليهما، وإذا كان عندكم من الله دليل على التحريم فهاتوه: ((أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا} [الأنعام:144] فماذا يملكون إلا الاستسلام أمام الحجج الدامغة!