سادساً: بالنسبة للعبادة -أيها الإخوة- العبادة لابد من إحكامها، وقدمنا أن الإحسان في العبادة يضاعف الله به مزيداً من الحسنات، ولذلك فإن الوضوء ينبغي أن يكون سابغاً تاماً، والصلاة تؤدى في وقتها ولا نؤخر الصلوات، وإذا لم يكن هناك خطرٌ داهم يأتي الرجال إلى المسجد للصلاة فيه، وتمشي الأمور بشكلٍ طبيعي تماماً، ونأتي لصلاة الجمعة، والأمر طبيعي تماماً، لكن لو حصل وقدر الله أن يكون هناك قذائف تنزل أو أخطارٌ متحققة، أو صفارة الإنذار على شيءٍ من الإطلاقات أو الغارات لا سمح الله، فهنا لا نكلف الناس أن يأتوا إلى المساجد لأداء صلاة الجماعة، بل إنهم يعذرون بما هو أدنى من ذلك، كالجمع في المطر في المسجد، ويعذرون كذلك عند البرد الشديد والريح الشديد، وفي الخوف، هناك صلاة اسمها: صلاة الخوف، فإذاً لا نكلف الناس بأن يأتوا إلى المسجد، فلو صار خطرٌ حقيقيٌ داهمٌ أشارت الإشارات إليه، وليس هو من اختلاق بنات الأفكار كما يقولون، ولا نتيجة أوهام، بل أشياء محققة فيها إشارات تدل على وقوعها، فنصلي في البيوت ولا حرج، نصلي الصلاة كاملةً في البيت، كل صلاةٍ في وقتها، ولو -لا سمح الله- صارت أشياء لا نستطيع أن نأتي لصلاة الجمعة، فنصلي في البيت ظهراً، هذا دينكم دين يسرٍ، وهذا من معاني أن الدين يسر، هذا من المعاني الصحيحة ليسر الدين، والشريعة هذه لم تأت بحرجٍ أبداً، بل جاءت لرفع الحرج أيها الإخوة.
ومن الأمور المتصلة في ذلك أيضاً: مسألة الأقنعة، عمد كثيرٌ من الناس -هداهم الله، ولا أقول كثير، لا أدري، ولم أعمل إحصائية ولا استبياناً، وأرجو أن يكونوا قلةً أو ندرة- إلى حلق لحاهم -والعياذ بالله- قالوا: لا يمكن للأقنعة أن تركب على اللحية وأن تتسرب غازات وأشياء، ولذلك لابد أن نحلق اللحية، يا أخي: اللحية أمرٌ واجبٌ شرعاً، فقد أصدر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها خمسة أوامر إلى الأمة: (أرخوا اللحى) (أرجوا اللحى) (وفروا اللحى) (أعفوا اللحى) أوامر إلى الأمة بإعفاء اللحية تدل على الوجوب، فليس هناك فيها عذر.
إذاًَ: فمتى تحلق اللحية؟ يجوز ذلك عند الضرورة، عند خوف القتل يمكن للإنسان أن يحلق لحيته خوف القتل المحقق، فقد صارت المسألة ضرورة، فيقولون لك: إن هذه الغازات تتسرب، نقول: يا أخي أين تعيش أنت؟! ألست في البيت! فأين الخطر المحقق لنفاذ الغاز إليكَ أو هذه الكيماويات أو الأشياء المستنشقة إليك في غرفتك، فعلام تحلق لحيتك؟! طبعاً هناك أنواع من هذه الأقنعة فيها طولٌ في تصميمها بحيث أنه لا يضر، لكن قد لا تكون متوفرة، فماذا يفعل الإنسان؟ أقول لكم ماذا قالوا في الصحافة عن اليهود؟ حاخامات اليهود لحاهم طويلة -مع الأسف طبعاً مقارنة بالمسلمين- فماذا يفعل حاخامات اليهود؟ قالوا: يحملون مقصاتٍ في جيوبهم، فإذا صار الخطر قصوا لحاهم ولبسوا القناع، هل تريدون أن يكون اليهود أحسن منا؟! اليهود يحتاطون على لحاهم ولا يحلقونها إلا عند نزول الخطر، فهل هم أحسن منا؟ معاذ الله، فإذاً هذا أمرٌ لا يجوز فعله إلا وقت الضرورة القصوى المحققة، لكن هؤلاء الذين حلقوا لحاهم، أين الضرورة التي حصلت في هذه الفترة الزمنية الماضية، حتى نقول لهم: إن ما فعلتموه صحيح.
أمرٌ آخر -أيها الإخوة- نحن مسلمون، ومما يميزنا عن الكفار إيماننا بالله سبحانه وتعالى، فنحنُ في هذه الأوقات يجب علينا أشياء، منها: إحسان الظن بالله عز وجل، وإذا أحسنت الظن بالله كفاك الله الشرور قال الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي عبدي ما شاء).
فينبغي أن نحسن الظن بالله، وأن نوقن في أنفسنا أن الله سيحفظنا، وأن الله سيكفينا، وأن الله سيدرأ عنا، وأن الله سيحول بين هذه الشرور والوصول إلينا، فإذا اشتد ظنك بالله حسناً كانت كفاية الله لك أكثر وأعظم، فأحسنوا الظن بالله، لا تيئس من روح الله، لا تقنط من رحمة الله أبداً {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87] ولا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، فأحسن الظن بالله أن الله سيكفيك همك، وأن الله سيحفظك من كل سوء، ولكن بعض الناس عندما يسمع انفجاراً أو صفارة إنذار، أو شيئاً من الأشياء الخطيرة يسقط في يده، وينسى الله تماماً، وهذا من أعظم المصائب.
ففي لحظات الشدة يجب أن نذكر الله أكثر من أي شيءٍ مضى، ولذلك ما معنى الحديث: (كان إذا حزبه أمرٌ صلّى) كان إذا حصل أمرٌ فزع إلى الصلاة، إذا نزلت مصيبة فزع إلى الصلاة، يطبق قول الله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153].
وكان ابن عباس لما كان مسافراً في الطريق، فبلغه موت أخيه، ترجل عن راحلته وتنحى جانباً، فصلى ركعتين ثم قال: قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:153] هذا الكلام نقوله لأننا وجدنا بعض الناس لما صارت الأخطار وهذه الصفارات عمدوا إلى محطات التلفزيون والإذاعات ينظرون ويستمعون إليها بكل إنصات، ساعاتٍ طويلة، ولا يلهج أحدهم بذكر الله أبداً.
وهذا خطأ -يا جماعة- هذه مواقف وستسجل علينا يوم القيامة، ونحنُ بإمكاننا أن نتخذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح، القرار الصحيح وقت الأزمة أن تلجأ إلى الله، ليس هناك مانع أن تسمع الأخبار، لكن أن تتسمر أمام الأجهزة طيلة الوقت بإنصاتٍ شديد، ولا تذكر الله أبداً هذا ليس من صفات المسلمين.
كان عليه الصلاة والسلام إذا كربه أمرٌ قال: (الله الله ربي لا أشرك به شيئاً) وقال: (يا حي يا قيوم برحمتك استغيث) هذه أدعية الكرب وأذكار الهم، لابد أن نذكرها وأن تكون على ألسنتنا.
(اللهم إني عبدك وابن عبدك ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي) فإذاً نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، وذهاب همومنا وغمومنا، وجلاء أحزاننا وكربنا، اللهم آمين، اللهم آمين، اللهم استجب لنا أجمعين.
وقبل أن يفوتني تنبيهٌ على مسألة قد يسأل عنها بعض الإخوة العسكريين، عند لبس هذا الكمام، أو هذا القناع كيف يفعل بالوضوء والسجود؟ طبعاً الإنسان إذا لم يستطع أن يمسح على جزءٍ من جسده تيمم عنه، فإذا كان محكماً على الرأس مثلاً، يعامل مثل العمامة، فيمسح عليه، فإذا لم يستطع فإنه يتيمم عنه، هناك الآن مخارج شرعية يسأل عنها العلماء، ويفتي بها أهل العلم، فإذا حدثت أشياء مثل هذه هناك أحكام في الشريعة، أحكام الاضطرار، أحكام الضرورة، تسأل عنها العلماء، وأما بالنسبة للسجود، فلو اضطر للبس القناع وهو يصلي، فيسجد على حسب حاله، ويلامس من الأرض ما يستطيع أن يلامسه بهذا القناع الموجود على وجهه، ولا حرج في الشريعة، وهذا معنى أن الدين يسر، هذا مثال صحيح، والحمد لله رب العالمين.