وأما النوم في المسجد: فإن كان لمحتاج كالغريب الذي لا أهل له، أو الفقير الذي لا بيت له كما ورد أن ابن عمر لما كان أعزب، كان يبيت في المسجد لأنه لم يكن له بيت، فلما تزوج وصار له بيت لم يعد إلى ذلك، ويبيت فيه بقدر الحاجة ثم ينتقل.
وأما اتخاذ المسجد مبيتاً ومقيلاً، فلا يجوز ذلك كما قال شيخ الإسلام، وقال في موضع آخر: ويجوز النوم في المسجد للحاجة كما وقع لأهل الصفة، ومثل المسكينة التي كانت تأوي إلى المسجد وكانت تقمه، يعني: تنظفه، قال رحمه الله: فيجب التفريق بين الأمر اليسير وذوي الحاجات، وبين ما يصير عادةً، وما يكون لغير ذوي الحاجات، وأما اتخاذ المساجد للسكنى والمبيت وحفظ القماش والمتاع، فما علمت مسلماً ترخص في ذلك، فإن هذا يجعل المسجد بمنزلة الفنادق التي فيها مساكن محجرة، والمسجد لا بد أن يكون مشتركاً بين المسلمين، فمن سبق إلى مكان لذكر، أو قراءة، أو صلاة، أو اعتكاف، فهو أحق به حتى يقضي ذلك العمل، فإذا قضى العمل، زال حقه عن ذلك المكان.
ومن الأمور المكروهة المنهي عنها: رفع الصوت لغير حاجة كما يكره لمن يبلغ خلف الإمام بغير حاجة، كما ذكر بعض أهل العلم أن ذلك بدعة منكرة، وأما سؤال الناس كما يفعل الشحاذون في المساجد، فقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن ذلك، فقال: الحمد لله، أصل السؤال محرمٌ في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة، فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحداً بتخطيه رقاب الناس ولا بغير تخطيه، ولم يكذب فيما يرويه، ويذكر عن حاله -كما يقع من الكثيرين- ولم يجهر جهراً يضر بالناس -كما يفعله أكثر الشحاذين- جاز والله أعلم بهذه الشروط.
وأما المشي بالنعال في المسجد فهو جائزٌ إذا كانت النعال نظيفة، والصلاة في النعال من سنن النبيين مخالفة لأهل الكتاب.
أما الآن عند فرش المساجد، فلا يدخل إنسان بحذائه نهائياً إلا إذا كان نظيفاً جداً، لأن في دخوله بحذائه الذي يمشي به في الشارع توسيخ للسجاد الذي يصلي عليه المصلون.
وإذا اضطر إنسان للدخول إلى المسجد بالسلاح كما يقع لبعض رجال الأمن، فإنه ينبغي أن يكون السلاح مغمداً، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا مر أحدكم في مسجدنا، أو في سوقنا ومعه نبل، فليمسك على نصالها بكفه حتى لا يعقر مسلماً) فيجوز عند الحاجة مع كونه مغمداً حتى لا يحصل الأذى.
ويجوز لمن به عذرٌ دائمٌ كسلس البول المكث في المسجد إذا أمن تلويث المسجد.
ويسن الإذن للنساء إلى المساجد على ألا تمس طيباً، وإن كان بها فلتغتسل منه.
هذه أيها الإخوة طائفةٌ من الأحكام المتعلقة بالمساجد التي يخالفها كثيرٌ من المصلين.
وفقنا الله وإياكم لأن نحل حلاله وأن نحرم حرامه، وأن نعمل بآداب الإسلام، وصلى الله على نبينا محمد.