كان لـ عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى أقوال قد أُثِرت عنه فيها حكم: فمن أقواله التي أثرت عنه والتي تصلح أن تكون قواعد في العلم والأدب: 1 - قال: معرفة الحديث إلهام.
2 - وقال أيضاً: فتنة الحديث أشد من فتنة المال والولد، كم من رجل يُظَنُّ به الخير قد حَمَلَه الحديث على الكذب شهوة أن يجتمع عليه الناس، وأن يأخذوا عنه، وأن يقال: فلان عن فلان، وأن يدخل في الأسانيد، فإذا لم يكن صاحب حديث، ويريد أن يدخل نفسه في هذه الصنعة بسبب شهوة الحديث ربما يكذب.
3 - ومن أقواله كذلك: يحرم على الرجل أن يفتي إلا في شيء سمعه من ثقة.
وهذا فيه تعليم لبعض الناس الذين يتفاءلون بالفتيا، فيقول لك: هذا كذا، فتقول: مَن الذي حدثك به؟ فيقول: لا أدري، سمعته مرة في مجلس لا أدري من الذي قال، ومرة سمعت كذا في ذهني؛ لكن يقول: مُحَرَّمٌ على الرجل أن يفتي إلا في شيء سمعه من ثقة.
4 - وقال عن الولع بالحديث: إن الحديث إذا تمكن من الإنسان، صار مسيطراً عليه، يقول: الغرام في طلب الحديث مثل: لعب الحمام، ونطاح الكباش؛ لأن أهل الحمام يولعون باللعب بها جداً، وتصبح هذه قضيتهم وشغلهم الشاغل، وكذلك الذين يهوون مصارعة ومناطحة الكباش ويجتمعون لها، تكون لهم لذة يعني: الغرام بالحديث، بل هو أشد.
5 - وقال رسته: سألت ابن مهدي عن الرجل يتمنى الموت مخافة الفتنة على دينه.
قال: ما أرى بذلك بأساً، لكن لا يتمناه من ضُرٍّ به أو فاقة، تمنى الموتَ أبو بكر وعمر ومن دونهم، فإذا كان يتمنى الموت حتى لا يفتن في دينه، فلا بأس، أما أن يتمنى الموت في ضر نزل به، فلا، لأجل الحديث.
6 - ومن تواضع عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله كما يروي رسته: قام ابن مهدي من المجلس، وتبعه الناس يمشون خلفه فالتفت إليهم يقول لهم: يا قوم، لا تَطَأُنَّ عقِبي، أي: لا تمشوا ورائي، ولا تَمُشُنَّ خلفي، حدثنا أبو الأشهل، عن الحسن، قال عمران: [خفق النعال خلف الأحمق قلَّما يُبقي من دينه] قال: لا تمشوا ورائي، لأن المشي ورائي فتنة لي، وإن خفق النعال خلق الأحمق قلَّما يبقي من دينه، مع أن الرجل من أعقل العقلاء.
7 - ومن أقواله العظيمة التي تنبئ عن التواضع وحب العلم وحب طلبة العلم، يقول: "إذا لقي الرجلُ الرجلَ فوقه في العلم؛ فهو يوم غنيمة" إذا التقيت مع أحد أعلم منك في مجلس فهذا يوم غنيمة لما ستستفيد منه.
و"إذا لقي الرجل من هو مثله: دارسه، أي: مدارسة ومذاكرة، كما فعل هو مع وكيع في الحرم من العشاء إلى الفجر، دارسه وتعلم منه.
وإذا لقي من هو دونه: تواضع له وعلَّمه".
ولا يكون إماماً في العلم من حدَّث بكل ما سمع، وإنما يجب أن ينتقي، ولا يكون إماماً من حدَّث عن كل أحد، ولا مَن يحدث بالشاذ.
8 - ومن أقواله المأثورة: إنما مثل صاحب الحديث بمنزلة السمسار، إذا غاب عن السوق خمسة أيام تغير بصره.
يقول: السمسار الذي يتابع الأسعار والأشياء، إذا غاب عن السوق خمسة أيام تغيرت عليه الأسعار والبضائع والأشياء، وإذا دخل يأتي كأنه لا يعرف ولا يدري ماذا يفعل، وخبرته تغيرت.
قال: صاحب الحديث بمنزلة السمسار، إذا غاب عن السوق خمسة أيام تغير بصره، فكأنه يقول: لا إجازة ولا عطلة من طلب العلم، لا بد كل يوم أن يطلب العلم، إذا غاب صاحب الحديث عن الحديث خمسة أيام، تغير، فكما أن السمسار يحتاج إلى متابعة الأسعار باستمرار؛ كذلك صاحب الحديث يحتاج إلى متابعة الحديث باستمرار.
9 - وقال ابن مهدي: لا ينبغي لمصنفٍ أن يصنف شيئاً من أبواب العلم إلا ويلتجئ بحديث: (إنما الأعمال بالنيات).
10 - وقال: يحرم على الرجل أن يروي حديثاً في أمر الدين حتى يتقنه ويحفظه كالآية من القرآن، أو كاسم الرجل، أو كما يحفظ اسمه، يحفظ الحديث ويرويه، وإلا لا يرويه.
11 - وقال: "الرجل إلى العلم أحوج منه إلى الأكل والشرب".
12 - وقال: لا نعرف كتاباً في الإسلام بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك، ولم يقل: صحيح البخاري مع أن البخاري أنفع من موطأ مالك وأصح؛ لأن البخاري ما جاء إلا بعد ابن مهدي، فـ البخاري تلميذ علي بن المديني، وعلي بن المديني تلميذ عبد الرحمن بن مهدي، فـ عبد الرحمن بن مهدي لم يرَ البخاري.
13 - وقال أيضاً: لا يجوز أن يكون الرجل إماماً حتى يعلم ما يصح مما لم يصح، وحتى يعلم بمخارج العلم، وحتى لا يحتج بكل شيء، بل يحتج بأشياء معينة.
فإذاً الذي ليس عنده تمييز الصحيح من السقيم، هذا لا يصلح أن يكون عالماً.
14 - وقال: أئمة الناس في زمانهم: 1 - سفيان بـ الكوفة.
2 - حماد بن زيد بـ البصرة.
3 - مالك بـ الحجاز.
4 - الأوزاعي بـ الشام.
15 - وقال: ما خصلة تكون في المؤمن بعد الكفر بالله أشد من الكذب وهو أشد النفاق.
16 - وقال: لولا أني أكره أن يُعصى الله تعالى؛ لتمنيت ألَّا يبقى أحد في المصر إلا اغتابني، أي شيء أحسن من أنك تأتي يوم القيامة تجد حسنات في صحيفتك مأخوذة من الذي اغتابك وأنت لم تتعب عليها، ولا عملتها؟! ومما قالو عن حفظه أيضاً: ما قاله محمد بن يحيى الذهلي: ما رأيت في يد عبد الرحمن بن مهدي كتاباً قط، كله من حفظه.