وكان رحمه الله تعالى متقناً لما يسمع:- قال محمد بن أبي بكر المقدمي: "ما رأيت أحداً أتقن لما سمع، ولما لم يسمع، ولحديث الناس من عبد الرحمن بن مهدي ".
وقد بلغ في الإتقان مبلغاً عظيماً جعل يحيى بن سعيد يقول كلمة فيها تواضع، وفيها أيضاً تزكية بالغة لـ عبد الرحمن بن مهدي، يقول يحيى بن سعيد رحمه الله: ما سمع عبد الرحمن من سفيان عن الأعمش أحب إليَّ مما سمعتُ أنا عن الأعمش، أي: عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الأعمش، أحب إليَّ وأوثق عندي مما سمعتُ أنا عن الأعمش، لشدة ضبط عبد الرحمن، ولشدة ضبط سفيان.
وقال علي بن المديني رحمه الله عن عبد الرحمن بن مهدي: كان يعرف حديثه وحديث غيره، وكان يُذكر له الحديث عن الرجل، فيقول: خطأ، ليس هكذا الحديث، ثم يقول: ينبغي أن يكون هذا الشيخ من حديث كذا من وجه كذا، قال: فنجده كما قال، أي: إنه لا يقول فقط: إنه خطأ، لكن يقول: أظن أن الصواب كذا، كما تقدم في قصة عبد الرحمن بن مهدي مع وكيع ويحيى بن سعيد.
حيث جعلا حديث سفيان عن أبيه، وعبد الرحمن روى الحديث عن سفيان عن منصور، مع أن يحيى بن سعيد ووكيع كلاهما قد رواه عن سفيان عن أبيه، لكن عبد الرحمن بن مهدي رواه عن سفيان عن منصور، ورجعا إلى قوله.
ومن دقته: أنه كان لا يحدث بالمعنى، بل يحدث باللفظة، وهذه المسألة عند المحدثين: هل تجوز الرواية بالمعنى أم لا؟ والذين أجازوها اشترطوا فيها شروطاً؛ منها: 1 - أن يكون عالماً باللفظ.
2 - أن يكون عالماً بما يوحي به المعنى.
إلى آخره.
وبعضهم قال: لا تجوز الرواية بالمعنى، إنما يرويه كما سمع، إما أن يحفظه فيرويه، أو لا يروي شيئاً.
فكان عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله ممن لا يحدث إلا باللفظ، ولا يجيز التحديث بالمعنى.