موقف ابن مهدي من أهل الهوى والرأي

وكان يكره الجلوس إلى ذي هوى، أو ذي رأي، قال محمد بن مثنى: رأيت في حِجْر عبد الرحمن بن مهدي كتاباً فيه حديث رجل قد ضرب عليه -شطب على حديثه، كان عبد الرحمن بن مهدي قد كتب له، ثم شطب عليه- فقلت: يا أبا سعيد! لماذا ضربت على حديثه؟ قال: أخبرني يحيى -يعني: يحيى بن سعيد القطان صاحبه- أنه يرى برأي جهم فضربتُ على حديثه.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: "من قال: القرآنُ مخلوقٌ، فلا تصلِّ خلفه، ولا تمشِ معه في طريق، ولا تناكِحْه".

وقال: "من زعم أن القرآن مخلوق استتبته، فإن تاب وإلا ضُرِبَت عنقه؛ لأنه كافرٌ بالقرآن، قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164] ".

وقال عبد الرحمن بن عمر: سمعت عبد الرحمن بن مهدي قد سئل عن الصلاة خلف أصحاب الأهواء؟ فقال: يُصَلَّى خلفهم ما لم يكن داعيةً إلى بدعةٍ، مجادلاً بها، إلا هذين الصنفين لا يُصَلَّى خلفهم، الجهمية، والرافضة، فإن الجهمية كفارٌ بكتاب الله عز وجل، والرافضة ينتقصون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذكرت عند عبد الرحمن بن مهدي قصة أحد الجهمية أنهم ذكروا عنده أن الله تبارك وتعالى خلق آدم بيده، وهذا حديثٌ صحيحٌ، والله قال في القرآن: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] وأخبر أنه خلق آدم بيده.

وعندما سمع هذا الجهمي الكلام؛ قال مستهزئاً: عَجَنَه بيده وحَرَّك بيدَيه العجين.

فقال عبد الرحمن لما سمع قصة هذا الجهمي: لو استشارني هذا السلطان في الجهمية لأشرت عليه أن يستتيبهم، فإن تابوا، وإلا ضُرِبَت أعناقهم.

وقال له رجل: ما رأيك بمن مشى إليهم يتعلم منهم بعض ما يجيدون من أساليب الكلام؟ قال: لا، مشيك إليهم توقير، وقد جاء في الآثار أن من وقر صاحب بدعة؛ فله كذا وكذا من العذاب، وكذا من الذم الذي جاء في حقه.

فهذه الشدة على أهل البدع كانت مطلوبة، ولا شك، لأننا لو نظرنا بعد عبد الرحمن بن مهدي لمَّا قامت المعتزلة ورفعوا رءوسهم، وتولوا الأمور، كانت فتنة الإمام أحمد رحمه الله، وفتنة أهل الحديث التي حصلت في زمن ابن أبي دؤاد لما زين للمأمون القول بخلق القرآن، فحمل المأمون كل القضاة والعلماء وأهل الحديث والأئمة والخطباء بالقوة عليه، حتى وصل الأمر إلى قتل بعضهم وسجنهم وضربهم كما كان المعتصم يفعل، والإمام أحمد رحمه الله مُلْقَىً لصف الجلادين، كل جلاد يضربه سوطين بأقوى ما عنده، ويقول المعتصم للجلاد: شد يدك، قطع الله يدك.

فيعتزل، ويأتي الثاني، ويعتزل، ويأتي الثالث وهكذا حتى كان كل جلاد يضرب بأقوى ما عنده.

فلا عجب بعد ذلك أن نرى بأن السلف كانوا يعرفون ما يمكن أن تؤدي إليه البدعة إذا استحكمت، ولذلك كانوا شديدين على أهل البدع كما فعل عبد الرحمن رحمه الله وجزاه عن الإسلام خيراً.

ذكر له رجل أن المبتدعة عندهم صلاة وصيام أي زيادة على العبادة المشروعة.

فقال: لا يقبل الله إلا ما كان على الكتاب والسنة، ثم قرأ قوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد:27] فلم يقبل ذلك منهم، ووبخهم عليه، يقول ابن مهدي شارحاً الآية: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد:27] قال: فلم يقبل ذلك منهم، مع أنها زيادة عبادة، فذلك غلو، فلم يقبل الله ذلك منهم، ووبخهم عليه، ثم قال: الزم طريق السنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015