من القصص التي ذُكِرَت ما ذكره الإمام العلم أبو محمد عبد الرحمن الرازي ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل حيث جعل الجزء الأول من كتابه المقدمة ترجمةً لعدد من أشهر مشاهير المحدثين، مثل: شعبة، وسفيان، وابن المبارك، ومنهم بلا شك: عبد الرحمن بن مهدي.
فقال في قصة في ضبطه: حدثنا عبد الرحمن، أخبرنا أبو زرعة، قال: سمعت نوح بن حبيب يقول: حضرنا عبد الرحمن بن مهدي، فحدَّثَنا عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى في قوله عز وجل: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:7] حديث في هذه الآية.
إذاً عبد الرحمن بن مهدي يقول: عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، وساق الحديث، مَن شيخ عبد الرحمن بن مهدي؟ سفيان، ومن شيخ سفيان؟ منصور، ومن هو شيخ منصور؟ أبو الضحى.
فقال رجلٌ حضر معنا: يا أبا سعيد -أي: عبد الرحمن بن مهدي - حدثنا يحيى بن سعيد -أي: القطان - عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى.
يعني: يحيى بن سعيد القطان روى لنا الحديث وخالفك، أنت تقول: عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، ويحيى بن سعيد القطان يقول: عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى، فجعل بدلاً مِن منصور أبا سفيان في السند.
فسكت عبد الرحمن بن مهدي إجلالاً وتواضعاً، فهو لا يريد أن يخطئ يحيى بن سعيد القطان.
وقال له آخر في المجلس نفسه: يا أبا سعيد! حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى، فـ وكيع أيضاً خالفك، وروى السند مثلما رواه يحيى بن سعيد.
قال: فسكت، وقال: حافظان.
أي: يحيى بن سعيد القطان، ووكيع، ثم قال: دعوه، يعني: دعوا هذا الأثر، دعوا هذا الحديث.
قال الراوي: ثم أتوا يحيى بن سعيد هؤلاء الطلبة خرجوا من مجلس عبد الرحمن بن مهدي وذهبوا إلى يحيى بن سعيد، فأخبروه أن عبد الرحمن بن مهدي حدَّث بهذا الحديث، عن الثوري، عن منصور، عن أبي الضحى، فأُخْبِر أنك تخالفه، ويخالفه وكيع.
فأمسك عنه، وقال: حافظان.
قال: فدخل يحيى بن سعيد، ففتش كتبه وخرج، وقال: هو كما قال عبد الرحمن عن سفيان، عن منصور، فالذي ضبط هو ابن مهدي.
قال الراوي: فأُخْبِر وكيع بقصة عبد الرحمن، والحديث، وقوله: حافظان.
فقال وكيع: عافى الله أبا سعيد، لا ينبغي أن يُقْبَلَ الكذب علينا، ثم نظر وكيع وراجع كتبه، فقال: هو كما قال عبد الرحمن، اجعلوه عن منصور، وعدِّلوه.