ومن أقواله أيضاً: يقول: من مكائد الشيطان تنفيره عباد الله عن تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقعٌ عند التدبر.
كيف يصدهم؟ يقول: هذه مخاطرة، حتى يقول الإنسان: أنا لا أتكلم في القرآن تورُّعاً.
يقول: من طرق صد إبليس الناس عن القرآن: أن يقول القائل إذا أراد أن يتدبر: ربما تفهم خطأً، هذه مخاطرة، فالشيطان يأتي من باب الورع حتى يتوقف الشخص عن التفكير والتدبر؛ خشية أن يقع في هذا، فما هو المسلك الصحيح في هذا؟ أن الإنسان يقرأ التفسير ويتدبر، أما من غير قراءة التفسير، كيف يتدبر الجاهل؟ لا يمكن أن يتدبر.
كما نظر أحدهم إلى عبارة مكتوبة: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود:88] فخشع، وكاد يبكي، قال له آخر: ما لك؟! ما لك؟! قال: فيها موعظة بالغة، قال: وما هي؟ قال: انظر مكتوب: وماتوا الآباء بالله فيقي! استيقظي قد لا يفهم العبارة، فيظن نفسه الآن يتدبر، وهو يتخبط.
قال: ومنها -ومن وسائل ومكائد الشيطان في تنفير عباد الله-: أن يقيم أوثاناً في المعنى تعبد من دون الله، مثل: أن يلين الحق، فيقول: ليس هذا مذهبنا، تقليد الشيخ المعظم عنده قد قدمه على الحق.
هنا يشير ابن هبيرة إلى لفتة مهمة جداً وهي أن الأوثان والأصنام ليست فقط أشجاراً وأحجاراً وتماثيل على هيئة شخص، لا.
ليست دائماً الأشياء محسوسة، يمكن أن تكون الأوثان التي تُجعل طواغيت تصد الناس عن الحق وتعبد من دون الله يمكن أن تكون أشياء معنوية، مثل: صد الشخص عن الحق بأن هذا القول الذي هو الحق ليس قول الإمام، هذا ليس هو المذهب، فلا نأخذ به، مع أن الإنسان ينبغي عليه أن يقدم الحق ولو لم يقل به فلان أو علان من الأئمة المتبوعين، أو المعظَّمين.
فإذاً: هناك أشخاص لا يقبلون الحق مع أنه حق، لأنه لم يقل به الشيخ المعظم، أو الإمام المقدم عندهم، فهم لا يقولونه، فهؤلاء قد جعلوا هذا المبدأ وثناً.