حصلت للحسن -رحمه الله- مع الفرزدق الشاعر قصة: فإنه قد اجتمع معه في جنازة أبي رجاء العطاردي، فقال الفرزدق: يا أبا سعيد! يقول الناس: اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وشرهم -يقصد أن الحسن خير الناس وأنه شر الناس- فقال الحسن: لستُ بخير الناس ولستَ بشرهم؛ لكن ما أعددت لهذا اليوم يا أبا فراس؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ثم انصرف.
وقال الأصمعي: لما ماتت النوَّار بنت أعين بن ضبيعة المجاشعي -امرأة الفرزدق - وكانت قد أوصت أن يصلِّي عليها الحسن البصري، فشهد أعيان أهل البصرة مع الحسن، والحسن على بغلته، والفرزدق على بعيره، فسار، فقال الحسن للفرزدق: ماذا يقول الناس؟ قال: يقولون: شهد هذه الجنازة اليوم خير الناس؛ يعنونك، وشر الناس؛ يعنوني.
فقال له: يا أبا فراس! لستُ بخير الناس ولستَ أنت بشر الناس، ثم قال الحسن: ما أعددتَ لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة.
فلما أن صلى عليها الحسن مالوا إلى قبرها، فأنشأ الفرزدق يقول:
أخاف وراء القبر إن لم يعافني أشد من القبر التهاباً وأضيقا
إذا جاءني يوم القيامة قائدٌ عنيفٌ وسواقٌ يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد دار مَن مشى إلى النار مغلول القلادة أزرقا
يساق إلى نار الجحيم مسربلاً سرابيل قطران لباساً مخرَّقا
إذا شربوا فيها الصديد رأيتَهم يذوبون من حر الصديد تمزقاً
فلما سمع الحسن بكى حتى بلَّ الثرى، ثم التزمه، وقال له: لقد كنت من أبغض الناس إلي وإنك اليوم من أحب الناس إلي.
لما رأى شعره، ما صار في الهجاء والكلام المُقذع، وإنما صار في الترقيق وهذا الكلام الذي فيه وصف النار، التزمه رحمه الله وعانقه.
ومن كلامه في الغيبة والمغتاب، قال أصلة بن طريف: قلت للحسن: الرجل الفاجر المعلِن بفجوره هل له غيبة -أي: يحرم أن يُغتاب؟ - قال: لا.
ولا كرامة، إذا ظهر فجوره فلا غيبة له.
وقال: ثلاثة لا تحرم عليك غيبتهم: 1 - المجاهر بالفسق.
2 - والإمام الجائر.
3 - والمبتدع.