الحسن البصري رحمه الله له أخبار ومناقشات ولقاءات حصلت مع بعض الناس، ومواعظ وجهها إلى بعض الأشخاص، منهم الخلفاء، كما فعل مع عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وكان بعض الناس يأتيه ليعظه مما اشتُهر عنه من الوعظ، فكان الواحد إذا أحس غفلة أو قسوة أو أراد أن يزيد إيمانه جاء إلى الحسن.
يقول عمرو بن ميمون بن مهران: خرجت بأبي أقوده في بعض سكك البصرة، فمررت بجدول فلم يستطع الشيخ أن يتخطاه، فاضطجعت له فمر على ظهري، ثم قمت فأخذت بيده، ثم اندفعنا إلى منزل الحسن فطرقت الباب، فخرجت إلينا جارية، فقالت: من هذا؟ قلت: هذا ميمون بن مهران أراد لقاء الحسن، فسمع الحسن فخرج إليه فاعتنقه ثم دخلا، فقال ميمون: يا أبا سعيد! قد أنست من قلبي غلظة فاستَلِّنَّ لي منه.
أي: ليِّن لي قلبي.
فقرأ الحسن: بسم الله الرحمن الرحيم، {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:105 - 207].
قال: فسقط الشيخ فرأيته يفحص برجله كما تفحص الشاة المذبوحة، فأقام طويلاً ثم أفاق، فجاءت الجارية، فقالت: قد أتعبتم الشيخ، قوموا تفرقوا.
فأخذت بيد أبي فخرجت به، ثم قلت: يا أبتاه! هذا الحسن! قد كنت أحسب أنه أكبر من هذا! قال: فوكزني في صدري وكزة، ثم قال: يا بني! لقد قرأ علينا آية لو فهمتَها بقلبك لبقي لها فيك كُلُوم، والكلم هو: الجرح، لبقي فيه جروح من تأثير هذه الآية.
وكان يعرف الظَّلَمَة من غيرهم وبالذات الحجاج، وتقدم موعظته للحجاج وموقفه منه.
ومن القصص التي حدثت في هذا: أن رجلاً أتى الحسن فقال: يا أبا سعيد! إن حلفت بالطلاق أن الحجاج في النار، فما تقول؟ أقيم مع امرأتي أم أعزلها؟ حلف بالطلاق أن الحجاج في النار، فإذا كان الحجاج في النار يبقى مع زوجته، وإذا لم يكن في النار فيجب أن يفارقها، ولكن مصير الناس لا يعلم بعد الموت، وأهل التوحيد يدخلون تحت المشيئة، وإذا كان كافراً فهو في النار بلا شك.
فقال له الحسن: قد كان الحجاج فاجراً فاسقاً، وما أدري ما أقول لك، إن رحمة الله وسعت كل شيء.
وإن الرجل أتى محمد بن سيرين فأخبره بما حلف، فرد عليه شبيهاً بما قاله الحسن.
وإنه أتى عمرو بن عبيد، فقال له: أقم مع زوجتك، فإن الله تعالى إن غفر للحجاج لم يضرك الزنا.
وبطبيعة الحال فإن عقد الزواج إذا كان صحيحاً فهو باق، فلو أن أحداً طلق طلاقاً مشكوكاً في وقوعه، قال عبارة فيها شك، والنكاح صحيح، فما هو الحكم؟ الحكم أن النكاح يبقى على أصله حتى نتأكد من وقوع الطلاق.
وكان الحسن يشجع الناس على تعلم اللغة العربية، فعن أبي حمزة، قال: قيل للحسن في قوم يتعلمون العربية، قال: [أحْسَنوا، يتعلمون لغة نبيهم صلى الله عليه وسلم].
وقال الحسن لـ فرقد بن يعقوب: [بلغني أنك لا تأكل الفالوذج -والفالوذج نوع من الحلوى نفيس، كان يوجد في ذلك الزمان- فقال: يا أبا سعيد! أخاف ألَّا أؤدي شكره -يعني: ناقش هذا الرجل، ذلك الرجل كان لا يأكل هذا النوع من الطعام النفيس، فـ الحسن سأله: سمعت أنك لا تأكل الفالوذج! لماذا؟ قال: يا أبا سعيد! أخاف ألا أؤدي شكره- قال الحسن: يا لُكَع! هل تقدر أن تؤدي شكر الماء البارد الذي تشربه؟] يعني: إذا كانت المسألة تتوقف على أننا لا نأكل أي شيء خوفاً من ألا نؤدي شكره فلن نأكل شيئاً؛ قال: حتى الماء البارد لا نؤدي شكره، فلذلك ليس إلا شكر النعمة، والاستغفار.
ومن المواقف العظيمة التي دوِّنت في سيرته -رحمه الله- في معاملة أعدائه، قيل له: [إن فلاناً اغتابك، فبعث إليه طبق حلوى، وقال: بلغني أنك أهديت إليَّ حسناتك فكافأتك].
وهذا موقف مؤثر ولا شك، يحمل الخصم على الرجوع وترك ما هو عليه.