الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فالحمد لله الذي قيض لهذه الأمة رجالاً ينيرون لها الطريق، ويحيون السنة، ويميتون البدعة، ويجددون الدين، ويتخلقون بأخلاق الأنبياء، فيكونون قدوة للناس، ومصلحين لأحوالهم، ومعلمين لهم، ومذكرين لهم بربهم.
ولا شك أن التعرف على سير هؤلاء العلماء الأجلاء من الأمور المطلوبة للإنسان المسلم ليقتدي، وتنوُّع القدوات مهمٌّ؛ لأن كل قدوة قد يكون له جانب من التفوق ليس عند الآخر، فإذا حرص الإنسان على تتبع أحوالهم، اجتمع فيه الخير.
وحديثنا في هذه الليلة -إن شاء الله تعالى- عن الإمام العلم الحسن البصري رحمه الله تعالى.
واسمه: الحسن بن يسار، يلقب بـ البصري، ويُدعى تارة: بـ ابن أبي الحسن.
وكنيته رحمه الله: أبو سعيد.
وأبوه اسمه: يسار، كان مولىً لـ زيد بن ثابت في أحد الأقوال.
وأمه: خَيْرَة، كانت مولاة لـ أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها.
يسار تزوج بـ خَيْرَة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فولدت له الحسن لسنتين بقِيَتا من خلافة عمر رحمه الله.
وقال يونس عن الحسن: [قال لي الحجاج: ما أمدك يا حسن؟ قلت: سنتان من خلافة عمر].
وكانت أم سلمة تبعث أم الحسن في الحاجة، فعندما تحتاج أم سلمة إلى شيء تبعث إليه أم الحسن، ويبقى الولد عند أم سلمة رضي الله عنها، فيبكي وهو طفل، فتسكته أم سلمة بثدييها، وتخرجه إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وكانت أمه منقطعة لخدمة أم سلمة، فكان الصحابة إذا أُخرج إليهم الحسن رضي الله عنهم يدعون له، فقيل: إنه أُخرج لـ عمر رضي الله عنه، فدعا له، وقال: [اللهم فقهه في الدين، وحببه إلى الناس].
قال ابن كثير رحمه الله: وأمُّه خَيْرَة مولاة لـ أم سلمة، كانت تخدمها، وربما أرسلتها في حاجة فتشتغل عن ولدها الحسن وهو رضيع، فتشاغله أم سلمة بثدييها، فيدران عليه.
وهذه مسألة تحصل في الواقع، من أن المرأة الكبيرة حتى لو انقطعت عن الزوج وعن الولادة بسبب الحنان قد يدر لبنها، ولذلك تكلم العلماء في حكم هذا اللبن، واختلفوا هل له حكم أم لا؟ وهل تكون أماً له من الرضاع؟ وهل تثبت به المحرمية؟ وكانوا يرون أن تلك الحكمة والعلوم التي أوتيها الحسن من بركة رضاعته من أم سلمة رضي الله عنها، من الثدي المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونلاحظ كذلك أثر بركة دعاء الصحابة رضي الله عنهم لهذا المولود، وكيف نشأ وصار بعد ذلك.
ولذلك يجب أن يكثر الإنسان من الدعاء لذريته، فقد يكون صلاحهم بدعائه، ودعوة منه قد تكون سبباً لصلاح الولد، ولذلك ندعو لهم ولا ندعو عليهم.
وفي كلام كثير من الصالحين دعاء للذرية: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان:74].