مؤلفات أبي عبيد في الناسخ والمنسوخ وفي الحديث

ألف أبي عبيد في الناسخ والمنسوخ في القرآن، وهذا الكتاب في ترتيبه لم يسبق إليه، فإنه رتب الكتاب على الأبواب الفقهية، فذكر تحت كل بابٍ الآيات التي تتعلق بموضوعه التي جاء فيها ناسخ ومنسوخ.

فأولاً: بدأ الكتاب بباب فضل العلم، ناسخ القرآن ومنسوخه، باب ذكر الصلاة وما فيها من الناسخ والمنسوخ، الزكاة، الصيام، النكاح، الطلاق، الشهادات، المناسك، الجهاد، الأسارى، المغانم، الاستئذان، المواريث، الوصية، ناسخ الطعام ومنسوخه، الشراب، إلى آخره، فسلك في ترتيب الآيات سبيل الأبواب الفقهية، حتى أصبح كتاباً في أحكام القرآن مرتباً على الأبواب الفقهية، وهذا ابتكار جميل، وسار على نهجه الإمام الطحاوي رحمه الله في كتابه أحكام القرآن.

وكان منهج أبي عبيد في هذا الكتاب أن يعرض الآيات ويبين غريبها، وما قيل في ناسخها ومنسوخها، ثم الأحكام المستنبطة مع ذكر أقوال الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم مع أدلتهم، مع المناقشة وذكر الرأي الراجح وبيان وجه رجحانه، هذه طريقته في كتاب ناسخ القرآن ومنسوخه.

أما في الحديث: فله جزءٌ في حديثه الذي رواه هو حديث القاسم بن سلَّام، وله كتابه المشهور جداً، وأبرز كتاب وأشهر كتاب لـ أبي عبيد هو: غريب الحديث، وهذا الكتاب جعله لبيان الألفاظ الغريبة، الصعبة الغامضة، البعيدة عن الفهم التي تحتاج إلى دقة، أو أنها قليلة الاستعمال، والتي جاءت في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وآثار الصحابة والتابعين ومعانيها.

تتبع أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام وآثار الصحابة والتابعين على تفرقها وتعددها، حتى جمع الأشياء الصعبة التي تحتاج إلى شرح وبيان، فساقها بأسانيده، وكان قد جمع معاني هذه الألفاظ من علومه، وما سمعه من أهل العلم؛ مستعيناً بشعر وأمثال العرب، ومأثور كلامهم، فيذكر ذلك في كتابه، ويذكر أيضاً فوائد فقهية مأخوذة من هذا الحديث الذي فيه كلمة غريبة، وما يُستنبط منه من الفقه بشكلٍ مختصر.

رَتب الكتاب على أربعة أقسام: أول قسم: يتضمن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم المرفوعة بسنده المتصل، والتي بلغت (540) حديثاً.

القسم الثاني: أحاديث الصحابة رضوان الله عليهم:- يذكر أحاديث كل صحابي على حده، ويبين الكلمات الصعبة الغريبة في كلام كل صحابي أو رواية كل صحابي.

القسم الثالث: أحاديث التابعين:- يذكر أحاديث كل تابعي على حدة مما يوجد فيه كلام غريب أو كلمة صعبة مع شرحها.

والرابع: أحاديث لا يعرف أصحابها:- فهي آثار بدون عزو لقائل معين، وشرح ما فيها من الألفاظ الغريبة.

هذا الكتاب يقول أبو عبيد فيه: بقيت في تصنيف هذا الكتاب (40) سنة، لأنه لا يأتي بأي حديث، بل يأتي بالحديث الذي فيه كلمة غريبة تحتاج إلى شرح، ويكون بسنده لا بسند غيره، ويكون فيه أيضاً فوائد فقهية، وتشرحه شواهد شعرية ومن أمثال العرب ونحو ذلك، وهذا الكتاب قد صار له مكانة مرموقة جداً، ونسخه الإمام أحمد رحمه الله واستحسنه.

وكان ابن الباجي أحمد بن عبد الله الإشبيلي يحفظه غيباً.

وكذلك عبد الملك بن إبراهيم الهمداني المقدسي، وغيرهم من العلماء يحفظونه غيباً، تأثراً بطريقة هذا الكتاب.

وأبو إسحاق الحربي ألف على نمطه، وغيره من أهل العلم ألَّفوا على نمط أبي عبيد في الغريب، وقامت لهذا الكتاب شروح ومختصرات، وتعليقات، وتعقيبات، فكان محط اهتمام وانتباه من العلماء، ونقل عنه عددٌ من المصنفين في مؤلفاتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015