أحياناً يؤدي عدم فهم القرآن إلى الاعتقاد بأن القرآن مخالف للحقائق التاريخية، يعني مثلاً: يأتي واحد ويستعرض قول الله في سورة مريم: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} [مريم:28] هذا الكلام يوجهه إلى من؟ إلى مريم، ومريم بعد هارون الذي كان مع موسى بمئات السنين، وربما بآلاف السنين، فكيف يقول قومها: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ} [مريم:28] وهارون الذي كان مع موسى بينه وبين مريم آلاف السنين؟ كيف صارت أخته! هذا الإشكال أورده نصارى نجران لما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم لهم المغيرة بن شعبة، فلما قدم عليهم، قالوا له: إنكم تقرءون: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم:28] وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته، فقال: (ألا أخبرتهم أنهم كانوا يتسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم) يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: هارون هذا غير هارون أخي موسى، حيث كان بنو إسرائيل يسمون بأسماء الأنبياء والصالحين، مثلنا نحن الآن نسمي إبراهيم على اسم النبي إبراهيم، نسمي صالحاً على اسم النبي صالح وهكذا، فبنو إسرائيل هكذا أيضاً، فقال هذا هارون الذي أخته مريم ليس هو هارون أخا موسى، هذا هو الرد ببساطة.
وقال بعض المفسرين: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم:28] يعني: أخته في الدين، حتى لو كان هارون ذاك أخا موسى.
وقال بعضهم: حتى لو كان هارون ذاك، فإنها تحمل على: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم:28] يعني: أخته في الشبه في العبادة، الآن بعض العامة يقولون: هذه السيارة أخت السيارة هذه، ماذا يقصد؟ هل يعني أختها بالنسب؟ لا، ولكن بالشبه، يقولون: هذه أختها بالضبط، يعني: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم:28] يا شبيهته بالعبادة، ولكن القول الأول الذي فسره صلى الله عليه وسلم هو الأولى، ولو كانت باقي الأقوال تصح في المعنى، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم فسرها تفسيراً واضحاً جلياً.