لابد أن يكون المستشار ليس بصاحب هوى أو غرض شخصي يتابعه، فإن هذا الشخص لو كان ذكي وخبير لكنه صاحب هوى فإنه سيشير عليك بالرأي الذي يهواه هو، وهذا شيء خطير جداً.
فلو أن شخصاً يميل إلى شيء، وجئت واستشرته؛ فإنه سوف يشير عليك بما يهواه لا لأنه صواب ولكن لأنه يهواه.
مثلاً: رجل عنده أخت فيها عيوب، لكن همه أن تتزوج بأي وسيلة، وجئت تستشيره، وقلت له: أريدك أن تبحث لي عن فتاة، فماذا سيقول لك؟ سيقول: طلبك عندي، أشيرك على فلانة مع أن فيها عيوباً.
لكنه الآن عنده هوى وغرض شخصي، مثل: صاحب الدكان يكون عنده بعض السلع، وعند جاره سلع أفضل منها، وتستشيره تقول: ما رأيك آخذ هذا، أو أبحث عن نوع آخر، هو صاحب غرض الآن، سيقول: لا.
هذه نوعية ممتازة خذ منها، فالآن يجب أن يكون المستشار ليس صاحب هوى، ولا صاحب غرض شخصي.
وبعض الناس يذهب يستشير صاحب هوى فيشير عليه بما يهواه، ثم يقول: الحمد لله استشرت، نقول: لا.
أين استشرت؟! أنت الآن استشرت من لديه ميول معينة، فأشار عليك بما يهواه وبما يميل إليه، فاستشارتك ناقصة في الحقيقة.
وبعض الأحيان يكون معرفة حال المستشير مهم للمستشار: فلابد أن تسأل الشخص الذي يعرف حالتك أكثر من غيرك، فبعض الناس أحياناً يتخطون أناساً قريبين منهم، مع أن عندهم عقل راجح، وعندهم بصيرة، وهم أهل للاستشارة، فيتخطون القريب إلى آخر بعيد لا يعرف حال المستشير، ويقول له: أشر عليّ، وماذا تنصحني في حالتي هذه؟ ويعرض له مشكلة خاصة تتعلق بواقعه الشخصي، وقد يخفي شيئاً من خلفيتها، والمستشار لا يدري عن الخلفية، لأنه ليس محتكاً ولا قريباً من المستشير، فيشير عليه برأيه، فيقول هذا: الحمد لله أنا استشرت.
فنقول: لا.
أنت استشرت مَنْ ليس لديه خبره بحالك، وتخطيت أناساً آخرين لهم معرفة بحالك من الممكن أن تستشيرهم، لكنك تخاف أن يقولوا لك: لا تفعل، أو افعل، وأنت لا تهوى هذا الشيء، وبنفس الوقت تريد أن تستشير، لكن تريد الجواب الذي تهواه؛ لذا ذهبت إلى البعيد، ولو كان شيخاً كبيراً وعظيماً، وتقول له: ما رأيك في المشكلة الفلانية؟ وتخفي عنه أشياء، ولا تعرض له خلفية القضية، وتقول: أشر عليّ، فلما يشير عليك بالذي تهواه.
وقد يستشير الشخص مَنْ يرتاح إليهم عاطفياً، لا لأنهم أهل بصيرة، ولا لأنهم أهل تجربة، ولا لأنهم أهل دين، ولكن لأنه يستريح لهم ويتقارب معهم نفسياً، فتجد أنه يستشيره في أموره الخاصة والخطيرة، مع أن هذا المستشار أدنى منه منزلة، لكن لأنه يرتاح إليه عاطفياً ونفسياً، فتجده يستشيره في أشياء كثيرة من أموره التي من الأولى أن يستشير فيها أناساً آخرين.
وما هي المنفعة من استشارة شخص تميل إليه عاطفياً وليس عنده خبرة في المشورة؟