من نستشير؟ وما هي صفات المستشار؟ هذه نقطة حساسة، لأننا قد نتفق على أهمية الاستشارة، وأننا لابد أن نستشير، ولكن عندما نأتي إلى التطبيق هنا تبرز مشكلة: من هم أهل الاستشارة؟ هل أنتقي شخصاً من الشارع أو المسجد أسأله إلى من أتجه؟ هذا سؤال مهم جداً، وتترتب عليه نتيجة مهمة، بعض الناس يسأل بطانته والمقربين إليه ولو كانوا أجهل وأسوأ منه حالاً، ولذلك نقول: أولاً: لابد أن تصلح بطانتك حتى إذا استشرتهم أشاروا عليك بالرأي السديد الذي يرضي الله عز وجل.
وثانياً: ما الفائدة من جاهل يستشير جاهلاً آخر؟ فلابد من إحسان الاستشارة.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم له أناساً من أصحابه لهم مميزات معينة؛ لذا كان يستشيرهم ويأخذ بمشورتهم، مثال: حديث عبد الرحمن بن غنم الأشعري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: (لو اجتمعتما في مشورةٍ ما خالفتكما) رواه الإمام أحمد.
وسألت الشيخ عبد العزيز بن باز عن هذا الحديث؟ فقال: إسناده حسن.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لو اجتمعت عنده مشورة أبي بكر وعمر على شيء واحد لم يخالفهما فيه.
وعمر رضي الله عنه كان لديه مجموعة من المستشارين، وكان فيهم الشباب والشيوخ، ولذلك كان بعض السلف يقول: يا معشر الشباب! لا تحتقروا أنفسكم، فإن مشورة عمر رضي الله عنه كان فيهم شباب حدثاء السن.
وهؤلاء أهل المشورة عند عمر رضي الله عنه كانت لهم مواقف جميلة، فمنها مثلاً: أن عم الحر بن قيس ويدعى عيينة بن حصن، قال لابن أخيه: يا بن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟ قال: سأستأذن لك عليه.
قال ابن عباس: فاستأذن لـ عيينة فلما دخل، قال عيينة -وكان فيه شيء من البداوة- يا بن الخطاب! والله ما تعطينا الجزل، وما تحكم بيننا بالعدل.
فغضب عمر حتى همَّ أن يقع به، فقال الحر: يا أمير المؤمنين! - الحر هذا من مستشاري عمر - إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199]، وإن هذا من الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله.
فانظر كيف تنفع الاستشارة.