شخص محتاج إلى شيء، لكن لا يستطيع أن يكلم الناس بما يريد، فهذا لابد من مراعاة شعوره.
أحد الصحابة جاء وليس معه راحلة، فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً يريد شيئاً، فما تفطن له الناس، فقال عليه الصلاة والسلام: (من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له، قال الراوي: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل شيء) حتى ظن الصحابة أنه لابد من توزيعها على المسلمين.
فانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف فطن لهذا الرجل، فهو يصرف بصره لأنه محتاج إلى شيء ولا يتكلم لأنه محرج، ولا يريد أن يعرف الناس.
معرفة وجوه الناس: إذا كان فيه جوع أو مشكلة أو شيء يُعرف من وجهه، ولو كنت تتفرس في وجوه إخوانك المسلمين لعرفت من وجوههم ماذا يريدون.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: (آلله الذي لا إله إلا هو! إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه -أي: من بيوتهم إلى المسجد- فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني) أبو هريرة يقول: أنا استحي أن أقول لـ أبي بكر: أعطني طعاماً، لكن قال أبو هريرة: أسأل أبا بكر سؤالاً، فلعله يتفطن لي أثناء عرض السؤال أني جائع وأني منهك القوى، قال: (فسألته، فمر ولم يفعل) سأله وأجاب على السؤال ومشى، ولم يتفطن.
(ثم مرَّ بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله تعالى، ما سألته إلا ليشبعني، فمرَّ ولم يفعل، ثم مرَّ بي أبا القاسم فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي -قبل أن يتكلم أبو هريرة بشيء، عرف من وجهه أنه جائع- قال: أبا هر، فقلت: لبيك يا رسول الله! قال: الحق، فمضى فتبعته، فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل فوجد لبناً في قدح) إلى آخر الحديث الصحيح.
فكان عليه الصلاة والسلام يعلم من نبرات الصوت ومن الألفاظ ومن تعابير الوجه ما هي حالة المتكلم، ولذلك في الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام لـ عائشة: (إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليَّ غضبى -مراعاة الزوج لحال زوجته- أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد -تحلفين برب محمد- وإذا كنت عليَّ غضبى قلت: لا ورب إبراهيم).
ولو أن أناساً احتاجوا للسؤال وجاءوا إلى رجل عنده خير وأرادوا من الخير الذي عنده، فحتى لا يريق ماء وجوههم، لا ينتظرهم حتى يسألوه، لكن يقول: لعلكم جئتم تحتاجون شيئاً، ماذا تريدون؟ ولذلك لما جاء أبو عبيدة من البحرين على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة جياع، سمعوا بالخبر فجاءوا للرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فتعرضوا له في الطريق، فما انتظر الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة أن يقولوا له: سمعنا أن أبا عبيدة جاء من البحرين فأعطنا من المال الذي جاء به، لا.
بل بادرهم هو، قال: (أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين، فقالوا: أجل يا رسول الله، قال: فأبشروا وأمِّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم) إلخ ولو أن شخصاً أخطأ وندم على خطئه، أو عمل عملاً خطأ، فيحاول المسلم أن يستر على أخيه المسلم، ولو أخطأ في حقك لا تدعُ عليه، وتقول: اللهم أهلكه، ولكن قل: اللهم اهده، اللهم يسر له أمره، اللهم اغفر له