عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما نزلت: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:1 - 2] إلى قوله عز وجل: {فَوْزاً عَظِيماً} [الفتح:5]-وقد نزلت هذه الآيات عندما رجع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الحديبية - وقد كان الصحابة يخالطهم الحزن والكآبة، لأنهم رجعوا من غزوة الحديبية ولاهم بالذين حاربوا الكفار، وقاتلوهم، وانتصروا عليهم، ولا هم بالذين دخلوا مكة واعتمروا وحققوا الشيء الذي خرجوا من أجله، بل قد وضعت لهم شروط واتفاقيات مع كفار قريش، رجعوا بسببها إلى المدينة من غير أن ينالوا شيئاً، وكان في بعض هذه الشروط، ما يظنه الرجل الذي ينظر إلى ظاهر الأمر وينظر نظرة سطحية بدون تمعن، أن فيها ظلماً للمسلمين، فرجعوا وهم في غاية من الحزن والكآبة.
وفي هذه الأثناء تنزل الآيات، ويصف القرآن هذا الصلح بأنه فتح مبين {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:1 - 2] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد أنزلت عليّ آية هي أحب إليّ من الدنيا جميعاً).
لماذا كانت هذه الآية لها أثر عظيم؟ لأنها أزالت الكآبة والحزن من نفوس الصحابة.
إذاً: كان القرآن ينزل لأهداف منها: معالجة الحزن والكآبة في نفوس الصحابة، يقول الله عز وجل بعد غزوة أحد -تعليقاً عليها في الآيات-: {فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ} [آل عمران:153]، ففي غزوة أحد قتل من الصحابة خلق عظيم، وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أكبر حملة ألوية الدعوة إلى الله، وكان رجلاً صنديداً فقُتل، والرسول صلى الله عليه وسلم جرح جراحاً شديدة، وأشيع أنه قتل، وصلت هزيمة بالمسلمين.
يقول الله عز وجل: {فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ} [آل عمران:153]، ما معنى {فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ}؟ ذكر بعض أهل التفسير من أوجه ما قيل في هذه الآية قول عبد الرحمن بن عوف: الغم الأول بسبب الهزيمة.
والغم الثاني: حين قيل: قتل محمد صلى الله عليه وسلم، قال ابن قمئة: قتلت محمداً، وصدقه الكفار وبعض المسلمين.
لما شعر المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، نسوا في غمرة الغم العظيم الهزيمة، وصاروا الآن في الغم الجديد، وهو قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، فانظر كيف عالج الله أثر الهزيمة في النفوس، بأن أعطاهم غماً آخر غير حقيقي وهو مقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، فانشغلت النفوس به عن الهزيمة، ثم تبين أنه غير مقتول، وكانت قد نسيت أشياء من الهزيمة، فانظر كيف عالج الله هذه النفسيات، وكيف شفى الله نفوس المسلمين من أمور كثيرة.