الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه.
أشهد أن لا إله إلا هو الرزاق {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود:6] كتب الرزق قبل أن يخلق السماوات والأرض، وكتب رزق كل مولود قبل أن يولد -سبحانه وتعالى- وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: هذه بعض الأسباب الشرعية لطلب الرزق، فهل هناك أسباب غير شرعية لطلب الرزق؟
صلى الله عليه وسلم نعم، وهي كثيرة جداً، وإن البلاء في هذا الزمان أن يجد العبد أبواباً للحرام كثيرة، ولا يجد أبواب الحلال إلا قليلة، ولكن: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:2].
فأبواب كسب الرزق بالحرام متعددة: كالسرقة، والرشوة، والشفاعة مقابل المال أنقلك من مكانك إلى مكان وتدفع لي خمسة آلاف أبحث لك عن عمل أشفع لك لتأخذ الوظيفة، وأنقل لك زوجتك من مدرسة إلى مدرسة، وأساعد في توظيف زوجتك بعد تخرجها من الكلية بالمال، والشاهد أخذ المقابل على الشفاعة، وقد جاء النهي عن ذلك، فأما من يقوم بالعمل، ويطالب وراء المعاملة، ويذهب ويجيء؛ فهذا يأخذ أجرة تعبه دون تَعَدٍّ على غيره، فإن كثيراً من الذين يشتغلون في هذه الأعمال يتعدون على دَور غيرهم، ويظلمون الناس.
ومن الناس من يتعامل بالربا، ويستلف بالربا؛ ليقيم مشروعاً بالربا، ثم يأخذ بعض العوائد ليسدد الربا، ويجادلون بالباطل ويقولون: استفدنا واستفاد البلد، ونقول: إنما هو دمار وخراب ونزع للبركة، ولو كثرت الأرقام فإنه كما جاء في الحديث الصحيح: (إن الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قُلٍ) سيكون قليلاً.
وهكذا يفعل كثير من الناس في أنوع من المحرمات والشبهات، ثم يجادلون بالباطل، صار الربا شيئاً مسَلَّماً من المسلمات الشرعية، صار يُناقش ويقول: أقنعني، ويعطون الرُّشا لمندوبي المبيعات، ومندوب المبيعات لا يشتري من الدكان إلا برشوة محسوبة داخل الفاتورة أو خارج الفاتورة، علماً أن له راتباً يأخذه من الشركة التي يعمل فيها، وتجده قد يعطى مبلغاً زهيداً إذا كان من هذه العمالة الآسيوية أو غيرها، ويعطى غيره مبلغاً أكبر، وهكذا، والجامع واحد؛ إعطاء الرشوة، إفساد الذمم، وتخريب العمال على مَن وظفهم، وأصحاب شركاتهم، وصارت هناك دخول أخرى، هناك بعض الناس لهم دخول أخرى، دخلهم الوظيفي ليس بشيء بجانب هذا، وأكثرها من الحرام، ومن تأمل عرف وشاهد بأم عينيه.
ومنهم من يسعى لجذب الزبائن باستخدام الميسر وجوائز السحب، وما أكثرها! ويعملون المسابقات التي لا تَمُتُّ لا إلى جهاد ولا إلى علم شرعي، ويعطون عليها الجوائز لجذب الناس، وإيغار صدور الباعة الآخرين عليهم، والتغرير بالمشترين، وهذه أشياء كثيرة.
وقد تكلمنا في خطبة ماضية عن الدولار الصاروخي، الذي يتعامل به الآن عددٌ من الناس، ويوزعون قسائمه، ويبيعونها، ويرسلون المبالغ بالشيكات إلى الكفار يا عباد الله! ويُضْحَك عليهم بإرسال أربع قسائم ليبيعوها، ويقول: رجع إلي مالي، ومسكت الدور لعلها تأتيني الفرصة والكسب العظيم، وقد سبق بيان أن ذلك حرام، وفتوى أهل العلم في المسألة في هذا الدولار الصاروخي الذي يقولون فيه: استرخِ وأَصْبِح غنياً، ووصف للنجاح بواسطة هذه الوصفة، تستطيع أن تربح رأس المال بدون التزامات مالية مقابل دفع كذا على القسائم، تغريرٌ بالناس، وأكل أموالهم بالباطل، وقد أفتى علماؤنا أنه ميسر داخل في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة:90] ثم بعد ذلك إذا بيعت هذه القسائم، وتطورت الأمور، سيجد عددٌ كثير من الأغبياء عندهم قسائم، ولا يجدون من يبيعونها عليه؛ لان أكثر الناس قد اشتروا القسائم ولا يوجد من يباع عليه، وهذه القاعدة الهرمية السفلى هم الأغبياء والمغفلون، والذين باعوا عليهم هم آكلو الحرام، الواقعون في الميسر، المُعِيْنُون للكفرة، المُرَوِّجُون للباطل.
فالناس بين ذكي يستخدم ذكاءه في الشر، وبين غبي تنطلي عليه الخدع بسبب جهله وعدم استفتائه وعدم سؤاله، فهو واقع فيه، ومع التحذير الذي ذكرناه سابقاً والفتوى التي أشرنا إليها من أهل العلم؛ فلا زال الناس يتعاملون، وتنتشر هذه الأوراق سعياً في طلب رزق يكون وهمياً بالنسبة لأكثر من (99%) من الذين يشترون هذه القسائم، ويبقى بعض المحظوظين بزعمهم الذين ينالهم شيء.
فابتعدوا -يا عباد الله- رحمكم الله عن أبواب الرزق المحرم، ابتعدوا عن الشبهات، اتقوا الله وخلِّصوا أموالكم من الحرام.
نسأل الله تعالى أن يطيب مكاسبنا، وأن يجعل رزقنا حلالاً.
اللهم اقضِ ديوننا، وسُد جوعتنا.
اللهم اكفنا مد الأيدي للناس، واجعلنا غير محتاجين إلى أحد من خلقك.
اللهم اجعلنا عليك متوكلين، وإليك منيبين، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين.
والحمد لله رب العالمين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.