إذا خف الإخلاص يسير الإنسان إلى عكس مقصوده، سير المقيد المقعد، أو أنه يسير سير صاحب الدابة الجموح الممتنعة على صاحبها، كلما مشت إلى قدام خطوة رجعت إلى الخلف عشر خطوات، وهذا لا يحدث إلا لمن يفتقد الإخلاص، أو ينقص إخلاصه، ولذلك الإخلاص تحصيله صعب وليس سهلاً.
يقول سفيان رحمه الله: [ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي، لأنها تنقلب علي كلما آتي لأثبتها تنقلب فأنا أعالج وأجاهد وأجتهد في تثبيت النية] لأن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه سبحانه وتعالى قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] فلا يمكنه من التوبة والإخلاص، فيحول بين المرء وقلبه، ولذلك مجاهدة النفس على الإخلاص وتوجيه النية لله رب العالمين هي أصعب شيء.
قال يوسف بن أسباط رحمه الله: [تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد] لو قام أحدهم الليل ساعات طويلة قد يصبر، لكن تثبيت النية بحيث إن العمل لا يكون فيه شيء للدنيا ولا للناس هذا أصعب من العمل نفسه.
وقال يوسف بن الحسين: [أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء من قلبي، فكأنه يمكث على لونٍ آخر] أحاول أن أسد هذا الباب فينفتح باب آخر، أحاول أن أثبت من هنا؛ فأوتى من هناك وهكذا، لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولكن لا يعني هذا أن ذلك مستحيل وأنه لا يمكن أن نخلص وأنه مهما اجتهدنا لا نصل لمرتبة المخلصين، كلا.
إن سألت كيف أكتسب الإخلاص؟ لو قلت لي الإخلاص صعب، فعرفنا منزلة الإخلاص في الدين، وعرفنا خطورة الموضوع، وعرفنا فوائد الإخلاص، وعرفنا مضار فقدان الإخلاص، فكيف نكتسب الإخلاص؟ يقول ابن القيم رحمه الله: "لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار، والضب والحوت، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص، وسهولة ذلك بأن تعلم أن مدح أحدٍ أو ذمه لا يضر".
لو قيل: كيف تريد مني أن أقطع الطمع بثناء الناس ولا أكترث بذم الناس؟ أعطني العلاج المفتاح لهذه المسألة، كيف تريد مني ألا أكترث سواءً ذموني أو مدحوني؟ نقول لك: انظر في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه أعرابي فقال: إن مدحي زينٌ وإن ذمي شينٌ، أي: أنا إذا مدحت واحد زان من مدحي وارتفع، وإذا ذممت شخصاً فقد شان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذاك الله عز وجل) ذاك الله عز وجل الذي إذا مدح أناساً ارتفعوا، وإذا ذم أناساً هبطوا، ولست أنت.
فإذا عرفت أيها المسلم: بأن الناس لو مدحوك ما رفعوك، ولو ذموك ما خفضوك؛ فلا تكترث عند ذلك لمدحهم ولا ذمهم، وتعلم بأن المهم هو مدح الله وليس مدح المخلوقين، وبأن الذم المذموم هو ذم الله لا ذم المخلوقين.