من مريم خرج عيسى عليه السلام بدون أب، أم صالحة وجدة صالحة: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} ولأن عيسى مخلوق بكلمة الله: (كن) سمي بـ (كلمة الله) ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) رواه البخاري.
فإذاً: عيسى خلق بالكلمة: (كن) فكان، ولذلك يسمى عيسى بـ (كلمة الله).
ولماذا يسمى روح الله؟ سمي بذلك من باب إضافة التشريف وإضافة المخلوق إلى الخالق، كما نقول: (ناقة الله، بيت الله) ولأن عيسى نفس منفوسة خلقها الله عز وجل بالكلمة: (كن) فكان، ولذلك عيسى كلمة الله وروح الله.
وقد جاء في الحديث روح الله، فما معنى: وروحٌ منه؟ معناه: أن عيسى روحٌ من الله.
ومن هنا: من أين أتى عيسى؟ خلقه الله، فإذاً لما خلق الله لنا السماوات والأرض منه فهذا يعني أنها منه لا من غيره، وأنه هو الموجد، وكذلك عيسى روحٌ منه، يعني: أن الله عز وجل هو مصدر الإيجاد.
عيسى من أين خلق؟ خلقه الله عز وجل، فلذلك يسمى عيسى كلمة الله، وروح الله، وروحٌ من الله، وليست: (من) هنا للتبعيض، أي: أن عيسى جزء من الله تعالى الله عن ذلك.
والنصارى قد يدخلون هذه الشبهة ويحاجون بها، كما حصل في مجلس بعض الخلفاء: أن أحد النصارى قال له الخليفة: لماذا لا تسلم؟ قال: أنا مقتنع بالإسلام والقرآن، ولكن هناك آية التبست عليَّ، وأنا أرى أن فيها تأييداً لنا ولعقيدتنا نحن النصارى.
قالوا: ما هي؟ قال: إن عيسى عندكم في القرآن مكتوب عنه: " وروحٌ منه" فهو جزء من الله وهذا ما نحن نقوله: (ابن الله).
فالتفت الخليفة إلى من عنده من العلماء، فقال أحدهم: يا أمير المؤمنين! إن الله يعلم أن هذا الرجل سيستشهد بهذه الآية، وسيأتي بهذه الآية ليستشكل، والأمر كما قال الله تعالى في الآية الأخرى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} [الجاثية:13] فهل الأرض جزء من الله؟! و (منه) هي سؤال عن مصدر خلقها وإيجادها، وكذلك عيسى مصدر خلقه هو الله عز وجل، وكلمته لأنه مخلوق بكلمة (كن)؛ ولأنه حجة الله على عباده، وآية من آيات الله.