Q هل صحيح أن الثواب على قدر المشقة أم لا؟
صلى الله عليه وسلم هذه قناعة عند بعض الناس، يقول: أن الثواب على قدر المشقة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومما ينبغي أن يعرف أن الله ليس رضاه أو محبته في مجرد عذاب النفس، حتى يكون العمل كلما كان أشق كان أفضل، كما يحسب كثير من الجهال أن الأجر على قدر المشقة في كل شيء، لا.
ولكن الأجر على قدر منفعة العمل، ومصلحته، وفائدته، وعلى قدر طاعة أمر الله ورسوله، فأي العملين كان أحسن، وصاحبه أطوع وأتبع كان أفضل من العمل الآخر، فإن الأعمال لا تتفاضل بالكثرة، وإنما تتفاضل بما يحصل في القلوب حال العمل، ولهذا لما نذرت أخت عقبة بن عامر أن تحج ماشية حافية منعها النبي صلى الله عليه وسلم وقال لأخيها: (إن الله لغني عن تعذيب أختك نفسها، مرها فلتركب).
وكذلك حديث جويرية وقد دخل عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ضحى، ثم دخل عليها عشية، -أي: عند الظهر- فوجدها على تلك الحال، قال لها: أما زلت على تلك الحال التي فارقتك عليها؟ فقالت: نعم.
فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لرجحت، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته) فهذه أربع كلمات قالها ثلاث مرات، كانت أرجح من تسبيح جويرية من الضحى إلى العشي.
فإذاً ليس الثواب على قدر المشقة دائماً، وإنما تتفاوت الأجور بتفاوت قرب العمل من الله ورسوله، والإخلاص فيه، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وكلما كان العمل أخلص، ومتابعة صاحبه أكثر كلما كان أفضل، وليست المسألة بالمشقة دائماً، صحيح أن الذي يكثر من صيام النفل -وفيه مشقة- أفضل من الذي لا يصوم النفل، لكن هذه ليست قاعدة مضطردة.
صحيح أن الذي يقوم الليل أطول، يكون أفضل من الذي لا يقوم نهائياً أو يقوم خمس دقائق، لكن ليس هذه قاعدة على إطلاقها كما ذكرنا.
مثال آخر: لو صلى إنسان في ليلة ألف ركعة، وصلَّى آخر إحدى عشرة ركعة متأنياً متمهلاً، فمن هو الأفضل؟ الذي صلّى إحدى عشرة ركعة، نقول: الرسول صلى الله عليه وسلم صلى إحدى عشرة فقط أو ثلاث عشرة ولم يصلِّ ألفاً، فليست المسألة مسألة زيادة فقط، وإنما مسألة إخلاص ومتابعة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وأصل ذلك أن يعلم أن الله لم يأمرنا إلا بما فيه صلاحنا، ولم ينهنا إلا عما فيه فسادنا، ولهذا يثني الله على العمل الصالح، ويأمر بالصلاح والإصلاح وينهى عن الفساد.
فالله سبحانه إنما حرم علينا الخبائث؛ لما فيها من المضرة والفساد، وأمرنا بالأعمال الصالحة؛ لما فيها من المنفعة والصلاح لنا، وقد لا تحصل هذه الأعمال إلا بالمشقة.
أي: حتى لا يأتي من يقول: إذاً ليس هناك داعي لأن نشق على أنفسنا، بل علينا أن نريحها، وعليه فلا داعي لأن نجاهد أو نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولا أ، نسهر لطلب العلم؛ لأنه مشقة، فنقول: لا.
هناك أعمال فرضها الله لا تنال إلا بالمشقة.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: وقد لا تحصل هذه الأعمال إلا بمشقة كالجهاد، والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب العلم، فيحتمل تلك المشقة، ويثاب عليها لما يعقبه من المنفعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة لما اعتمرت من التنعيم عام حجة الوداع: (أجرك على قدر نصبك) النصب: التعب، وأما إذا كانت فائدة العمل لا تقاوم مشقته، أي: أن فائدة العمل والمنفعة أقل من المشقة التي فيه، فهذا فساد والله لا يحب الفساد.
والأمر المشروع المسنون مبناه على العدل والاقتصاد والتوسط الذي هو خير الأمور، مثل الفردوس، وسط الجنة وأعلى الجنة، فإذاً الأعلى والأفضل والأكمل هو أواسط الأمور، لا إفراط ولا تفريط.