كانت آيات الله تعالى بمصير المؤمنين الشهداء ترفع معنويات المجتمع الذي أصيب بهمّ في بئر معونة لما قتل سبعون من خيار المسلمين؛ يصومون النهار ويقومون الليل، من الحفاظ الزهَّاد العبَّاد، من أهل الصفة، من أهل المسجد، من أصحاب القناديل المعلقة فيه، ماذا أنزل الله؟ قرآناً كان يتلى حتى رفع ونسخ: (بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا رضي الله وأرضانا).
كانت البشائر من النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في مكة في الاضطهاد لرفع المعنويات، يأتي خباب مصاباً بإحباطٍ وبشدة يقول: (يا رسول الله! ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ ألا ترى ما نزل بنا؟! قال عليه الصلاة والسلام: كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه).
إذاً: هذا حصل لمن قبلكم، فخذوا العبرة، الطريق واحد، فيه أذى وخاصة في بدايته.
ثم يأتيه بالبشارة ويقول: (والله ليتمن هذا الأمر, حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون).
(قد كان من قبلكم): تسلية وإشارة إلى الصبر حتى تنقضي المدة المقدرة من الله عز وجل، والمسلمون تحت الشدة والحصار والبأس الشديد, لكنكم تستعجلون، ويبشرهم بأن الله معهم لرفع المعنويات.
أبو بكر الصديق في الغار كيف كان حاله؟ كيف كان وضعه النفسي؟ يصف التأزم الشديد الذي كان فيه ويقول: (يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما ظنك يا أبا بكر! باثنين الله ثالثهما) رواه البخاري.
والنبي صلى الله عليه وسلم ينقل لأصحابه البشارة، ثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً أمام نحوٍ من ألف من المشركين هم أكثر عدةً وعدداً منهم، يقول: (أبشر يا أبا بكر! أتاك نصر الله، هذا جبريل على ثناياه النقع).
وبعد هزيمة أحد لماذا أصر النبي عليه الصلاة والسلام على الرجوع لتحدي قريش؟! رفعاً لمعنويات المسلمين.
ويذهب إلى حمراء الأسد بالمسلمين الذين فيهم جراحات، لماذا؟! إظهاراً لقوة المسلمين، وإلقاءً للرعب في صفوف الأعداء.
قال الطبري: إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهباً للعدو، وليبلغهم أنه قد خرج في طلبهم ليظنوا به قوة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم.