أما تعريف الصبر من ناحية الشرع: فقد ذكر بعض العلماء: "أنه خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به الإنسان الصابر من فعل ما لا يحسن ولا يجمل شرعاً".
هذا الخلق الذي يحمل النفس على الامتناع عن الأشياء التي لا تجمل ولا تحسن شرعاً، هذا هو الصبر.
وكذلك قال بعض السلف: "الصبر ثبات القلب عند موارد الاضطراب".
والصبر والجزع ضدان، ولهذا يقابل أحدهما الآخر، ولذلك قال الله عن أهل النار: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم:21] أهل النار يوم القيامة عندما يطبق عليهم العذاب من كل جانب، يقول بعضهم لبعض: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا} [إبراهيم:21] أي: فقدنا الصبر على هذا العذاب ((أَمْ صَبَرْنَا} [إبراهيم:21] على هذا العذاب ليس هناك فائدة، كله واحد {مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم:21] أي: ليس هناك مهرب ولا مفر؛ لأنهم لو صبروا على العذاب أو جزعوا فإن النتيجة واحدة، وهي أن العذاب مستمر، فإن صبرهم لن يفيدهم شيئاً.
أيها الإخوة: الصبر إذا كان صبراً عن شهوة الفرج، فإنه يصبح عفة، تأمل في الصبر كيف أنه يداوي ويقلب الصفات الذميمة إلى صفات حسنة، فإذا كان صبراً على شهوة الفرج، فإنه يسمى عفة، وضدها الفجور والزنا.
وإن كان صبراً على شهوة البطن وعدم التسرع في الطعام، أو تناول ما لا يحسن الإنسان أن يتناوله، فإنه يسمى شرف نفس، وشبع نفس، ليس شبع بطن، وضده الشره والدناءة.
وإن كان صبراً على إظهار ما لا يحسن إظهاره من الكلام، فإنه يسمى: كتمان سر.
وعكسه إذاعة السر وإفشائه، أو اتهام الناس، أو فحشهم وسبهم، والكذب عليهم وقذفهم والافتراء عليهم، هذا كله ضد صبر النفس وصبر اللسان عن التكلم بما لا يحسن التكلم به شرعاً.
وإن كان صبراً على فضول الدنيا، فإنه يسمى: زهداً.
وإن كان صبراً على قدرٍ يكفي من الدنيا؛ فإنه يسمى: قناعة.
وإن كان صبراً عن إجابة داعي الغضب في النفس، فإنه يسمى: حلماً.
وإن كان صبراً عن إجابة داعي العجلة والتسرع، فإنه يسمى: وقاراً وثباتاً.
وإن كان صبراً عن إجابة داعي الفرار والهرب، فإنه يسمى: شجاعةً.
وإن كان صبراً عن داعي الانتقام، فإنه يسمى: عفواً وصفحاً.
فتأمل معي كيف أن هذا الصبر هو الذي يقلب الأخلاق السيئة في النفس إلى أخلاق حسنة، وهو الذي يداوي الأمراض النفسية ويجعلها تصل بالنفس إلى مراحل عليا.
وعرف بعض العلماء الصبر: "بأنه الثبات على أحكام الكتاب والسنة".
وقال بعضهم: هو الاستعانة بالله.