إن من هذه الأمثلة التي ضربها الله تعالى في محكم تنزيله، قوله عز وجل: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد:17] فلما ضربها الله للتذكرة، وللاعتبار، وللتفكر، كان لزاماً على كل مسلم أن يتفكر ويعتبر بهذه الأمثال ويفهمها، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله في تعليقه على هذا المثل القرآني، بعد أن بيَّن أن فيها مثلين مضروبين للحق والباطل، قال: "ومن لم يفقه هذين المثلين، ولم يتدبرهما، ويعرف ما يراد منهما، فليس من أهلهما".
وكما قال بعض السلف الحريصين على فهم القرآن أمثالاً وحكماً وأحكاماً، وتشريعات وتوحيداً وقصصاً، قال هذا الرجل: كنت إذا قرأت مثلاً من القرآن، فلم أفهمه، بكيت على نفسي؛ لأن الله تعالى يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] فأبكي، لأنني لست من العالمين الذين عرفوا هذه الأمثلة، وهذه الآية التي قرأناها نمرُّ بها كثيراً- أيها الإخوة- {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد:17].