نصيحة الأخ المسلم

وكذلك من الواجبات الأخوية: مسألة النصيحة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من أفتى بغير علمٍ كان إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمرٍ يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه) رواه أبو هريرة وهو حديث حسن.

شخص جاء -مثلاً- يستشيرني هل يتوظف في المكان الفلاني أو الفلاني؟ هل الزواج من بيت فلان أو بيت فلان؟ هل يقدم على الخطوة الفلانية أم لا؟ وأنا أشرت عليه بأمر غير الذي أعتقد أنا أنه الصحيح فقد خنته، والآن يحدث من بعض المسلمين حسد وكيد، يقول له: أذهب إلى الوظيفة الفلانية أم الفلانية؟ يقول: لا.

تلك أحسن، بينما الحقيقة غير هذا، لكن حسد، يقول: هذا في الغد يمشي في الوظيفة، ومعه شهادة، فيترقى ويصبح أعلى مني، لا.

دعني أدله خطأ، وأوجهه خطأ وشخص يقول للثاني: أريد أن أعمل مشروعاً تجارياً، ما رأيك أفعل كذا أو كذا؟ فيقول: لا.

هذا مشروع فاشل، عليك بالأمر الفلاني أحسن، لماذا؟ حسداً من عند نفسه؛ لأنه قد يصير أحسن وأكثر منه مالاً، وهكذا أحياناً: شخص يريد أن يعمل تجارة وأنت قد تفهم من الموضوع أن هذا المشروع طيب ومناسب ولكن تقول: انتبه هذه الأيام الدنيا لا تساعد، وقد تفشل، ويمكن كذا، أي: تثبيط، ليس لأن الأمر مثبط، لا.

بل حسداً من عند نفسك، تشير عليه في أمرٍ وأنت تعلم أن الرشد في غيره، فهذه خيانة وقطع للعلاقات الأخوية بسكين الخيانة.

والنصيحة -أيها الإخوة- ((إذا استنصحك فانصحه) قال العلماء: هذه واجبة، البدء بالسلام سنة، لكن إذا استنصحك -أي: طلب منك النصيحة- يجب عليك أن تنصحه، وإذا لم تنصحه تأثم.

والنصيحة تأخذ عدة أشكال وعدة جوانب: فمن النصائح مثلاً: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم مبيناً أهمية النصيحة وهو حديثٌ من الأحاديث الصحيحة، وهو في السلسلة الصحيحة برقم [926] ((المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف ضيعته، ويحوطه من ورائه) أنت الآن إذا نظرت إلى المرآة ماذا تشاهد؟! أي عيب فيك تشاهده في المرآة.

يقول المناوي رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث: فأنت مرآة لأخيك يبصر حاله فيك.

كأنه أنت المرآة، فهو يبصر حاله فيك، وهو مرآة لك تبصر حالك فيه.

يكف الضيعة، أي: يجمع عليه معيشته ويضمها إليه، فيلبي له احتياجاته في معيشته، إن كان عنده فضل يعود به عليه، ويحوطه من ورائه، يعني: يحفظه ويصونه ويذب عنه ويدفع عنه من يغتابه أو يلحق به ضرراً، ويعامله بالإحسان والشفقة والنصيحة، هذه من واجبات الأخوة.

مثلاً: كنت في مجلس وشخص تكلم على فلان، أقوم أنا وأثور وأتكلم وأرد عن هذا الغائب: (ويحوطه من ورائه) فإذا حدث كلام من ورائه تجد هذا الأخ يذب ويدافع.

الشاهد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم شبه المؤمن للمؤمن بالمرآة، يقول الشارح: فكما يزيل عنك كل أذىً تكشفه لك المرآة فأزل عنه كل أذى فيه عن نفسه، مثلما أنك إذا نظرت إلى المرآة تزيل الأذى عن نفسك، كذلك هذا الأخ المسلم مثل المرآة، هو الذي يدلك على عيوب نفسك، فأنت ترى به عيوبك أنت، فتصلح عيوبك بواسطته هو، ولذلك -أيها الإخوة- الله عز وجل أمر بالتواصي فقال: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3] لا بد من التواصي أي: التناصح مثل: يا فلان! أوصيك بكذا، أي: أنصحك بكذا، لابد من مد جسور النصيحة بين المسلمين؛ لأنك قد لا ترى عيوبك بنفسك لكن الآخرين يرون عيوبك.

قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: [إلى من يشكو المسلم إذا لم يشكُ إلى أخيه المسلم؟ ومن الذي يُلزمه من أمره مثل الذي يلزمه؟ إن المسلم مرآة أخيه، فيه يبصر عيبه، ويغفر له ذنبه، قد كان من كان قبلكم من السلف الصالح يلقى الرجل الرجل فيقول: يا أخي! ما كل ذنوبي أبصر -أنا لا أنظر كل ذنوبي- ولا كل عيوبي أعرف، فإذا رأيت خيراً فمرني به، وإذا رأيت شراً فانهني عنه].

والآن إذا جئنا على مستوى هؤلاء الإخوة في الله، قد لا تحدث النصيحة -أيها الإخوة- لأسباب، منها: قد يتهيب الأخ المسلم من نصح أخيه، قد يكون أكبر منه سناً فلا ينصحه، قد يكون أعلى منه قدراً في العلم أو الجاه فيتهيب من نصحه، فتجده يخاف أو يصير عنده نوع من الوجل، فلان أكبر مني كيف أقدم له نصيحة؟ فيسكت، أحياناً قد يمسك عن النصيحة لا يقول لأخيه ماذا يدور في نفسه، شخص -مثلاً- أسلوبه فظ ويعاملني بقسوة، من الخطأ في بعض النفسيات أن تكتم الأساليب الخاطئة التي تعامل بها، نفسية كتومة فتتراكم الأشياء فيها من معاملة خطأ كلمة خاطئة أسلوب عنيف شيء بعد شيء وقطرة بعد قطرة حتى يتدفق السيل الجرار الذي يقطع العلاقات ويهدم الجسور بين هذا الأخ وأخيه، بسبب ماذا؟ بسبب الكتمان، كتمان كتمان ثم يأتي الوقت الذي ينفجر فيه، فإذا انفجر معناه انتهت العملية.

فلذلك لا بد -أيها الإخوة- من المصارحة، لا بد أن نتصارح فيما بيننا، إذا وجدتُ خطأً وما استطعت أن أبتلعه تماماً وبقي في نفسي أثر، ليس صحيحاً أن أبقي هذا الأثر؛ حتى لا تتراكم الآثار وتنفجر القضية وتنقطع علاقتي بهذا الأخ، ولا أريد أن أقابله مرة أخرى، لا.

لابد أن نتدارك الأخطاء أولاً بأول، ونتصارح فيما بيننا، وإلا ما قمنا بواجب النصيحة والأخوة في الله.

ومن أسباب عدم حدوث النصيحة: اللامبالاة، وهي من العوامل المهمة التي تحجب النصيحة، مثلاً: إنسان ما يحس بأهمية النصيحة، ولا بقيمتها، فلا يبالي بإلقائها -النصيحة- فيكون سلبياً يقول: دع غيري ينصحه، لا داعي أن أكلف نفسي بالنصيحة، قد يكون هذا العيب ما رآه أحدٌ إلا أنت، لا بد أن تنصح، وقد يكون كلام واحد غير كافٍ، لكن عندما يجتمع الكلام من عدة مصادر يحدث التأثير، فلا تقل: أنا لا أريد أن أتكلم، لا.

انصح وتكلم، قد يكون كلامك في غاية الأهمية: (لا تحقرن من المعروف شيئاً).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015