بداية نشأته

هذا الحافظ الجليل قد عاش في القرن السابع الهجري، وكان وقت ملك دولة المماليك البحرية الذين استلموه بعد الدولة الأيوبية، وكانت ولايتهم على مصر والشام وساحل فلسطين والأردن والحجاز وبلاد الحرمين، ولا شك أنهم ورثوا مسئوليةً عظيمةً في الدفاع عن المسلمين أمام عدوين خطيرين جداً التتار والنصارى.

وهم الذين أوقفوا زحف التتار إبان احتلالهم للعراق، وحصلت في عهدهم الوقائع التاريخية الفاصلة كمعركة عين جالوت سنة [658هـ] والخزندار سنة [699هـ] وشقحب سنة [702هـ] وفي هذا الجو عاش الحافظ ابن رجب رحمه الله.

وكان كذلك هناك من أعداء الإسلام الكسرويين الباطنية والدروز في جبال غرب الشام، وكان الحافظ ابن رجب رحمه الله عز وجل من الذين لم يحرصوا على تولي الولايات والمناصب، وكان مشهوراً بالزهد مع كون المناصب موجودة في دولة المماليك تلك إلا أنه رحمه الله كان عزوفاً عما في أيدي الناس غير مشتغلٍ بالرياسة، ولكنه في ذلك الوقت كان مطلعاً على ما يدور في عصره، وهو قد ذكر في تقسيم الناس أن بعضهم من المشتغلين بالذكر كانوا ملازمين للذكر بحيث يشغلهم ذلك عن مصالحهم المباحة، وينقطعون عن الخلق.

ثم ذكر قسماً ثانياً ممن يذكر الله عز وجل ويستحضر ذكره وعظمته وثوابه وعقابه، ويدخل في مصالح دنياه من اكتساب الحلال، والقيام على العيال، ويخالط الخلق فيما يُوصل إليهم به النفع مما هو عبادةٌ في نفسه، كتعليم العلم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهؤلاء أشرف القسمين وهم خلفاء الرسل، لعله رحمه الله تعالى كان من هذا القسم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم).

وكان رحمه الله تعالى قد عاش في دمشق الفترة العظمى من عمره، وكان فيها العلم منتشراً، وكان العلماء كثرة، والمدارس الشامية في تلك البلد متعددة، وكان العلم يُدرس في الجامع الأموي بـ دمشق، وجامع الجراحين في الباب الصغير، وجامع الحنابلة في الجبل، وجامع النحاس في صالحية دمشق، وجامع باب المصلى، وغير ذلك، وكانت المدارس أيضاً منتشرةً والأوقاف محبسةً عليها لكي تدر مقابلاً يعيش منه أهلها، ومن تلك المدارس أو دور الحديث المشهورة: المدرسة الأشرفية، وكذلك دار الحديث السكرية بالقصاعين، وكان القيم عليها عبد الحليم ابن تيمية والد شيخ الإسلام، وتولى شيخ الإسلام بعده، وبعده تولى الحافظ الذهبي رحمه الله، وقد سكن ابن رجب رحمه الله في هذه المدرسة بالذات ودرس فيها الفقه والحديث.

ومن المدارس المشهورة في ذلك الوقت أيضاً المدرسة الجوزية التي أنشأ لها الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ودرس فيها آل ابن قدامة المقادسة والمرداوي وابن مفلح، وهذه البيئة التي عاش فيها رحمه الله كان فيها انتشار للمذاهب الأربعة وفقهائها، وكانت السيطرة فيها للأشاعرة من جهة المعتقد، ولكن كان هناك مواجهة بينهم وبين أتباع السلف الذين كثيرٌ منهم على مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

والأربطة كانت موجودة في ذلك الوقت وهي مأوى الفقراء وطلبة العلم، وكان الإمام ابن رجب رحمه الله ممن عاش في تلك الأربطة.

أما اسمه فهو: الحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، ورجب اسمه عبد الرحمن، من أجداد الحافظ رحمه الله، وسمي برجب، لأنه ولد في شهر رجب، ابن الحسن السلامي البغدادي الدمشقي الشامي موطناً والحنبلي مذهباً، والسلفي معتقداً، المشهور بـ: ابن رجب رحمه الله، فرجب إذاً هو أحد أجداد الحافظ الذين تحدثوا عنه.

إذاً: اسم مؤلف: كلمة الإخلاص وجامع العلوم والحكم، أو لطائف المعارف أو فتح الباري لابن رجب: عبد الرحمن.

إذاً: العالم الذي نتحدث عنه اسمه عبد الرحمن، وأحد أجداده اسمه عبد الرحمن ولقب برجب ونسب الحافظ إليه، فيقال: ابن رجب، أما لقبه، فهو زين الدين، وأما كنيته، فهي أبو الفرج، ويشترك في ذلك مع أبي الفرج ابن الجوزي رحمه الله، وكذلك الشيخ/ عبد الواحد بن محمد الشيرازي إمام مذهب الحنابلة في الشام، كل هؤلاء الثلاثة كنيتهم (أبو الفرج) ولا يشترط أن يكون له ولد بهذا الاسم، لأن العرب كانت تسابق بالكنية الحسنة حتى لا يُوضع للشخص كنية سيئة ويلقب بلقب سيئ، وهذا من فوائد التكنية عند المسلمين، ومن فوائدها كذلك إظهار الميل إلى الرجولة عند الأطفال كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقب أخا أنس بن مالك الصغير بـ أبي عمير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015