وهنا من أكبر الشهوات التي تواجه الناس اليوم قضية شهوة الجنس المتمثلة في ميل الرجال إلى النساء، وميل النساء إلى الرجال، هذه المشكلة -أيها الإخوة- من أكبر المشاكل في قضية الهوى، وكذلك قضية العشق: وهو تعلق القلب بالصور الجميلة سواءً كانت صورة امرأة، أو أمرد حسن، هذه من البلايا والطامات التي ابتلي بها المسلمون، وهي تحدث بكثرة في أوساط المسلمين، رفع إلى ابن عباس وهو بـ عرفة شابٌ قد انتحل حتى عاد لحماً على عظم، فقال ما شأن هذا؟ قالوا: به العشق، فجعل ابن عباس يستعيذ بالله من العشق عامة يومه، لما رأى حال هذا الشاب الذي أدى به العشق إلى هذه الحالة، جعل ابن عباس يستعيذ بالله من العشق من هذه المسألة عامة يومه وهو بـ عرفة.
وقد بلغ بالعشاق عشقهم مبالغ عظيمة من التردي في المهاوي والمهالك، بل إنه أدى بهم إلى الوقوع في سوء الخاتمة والعياذ بالله، قال ابن القيم رحمه الله في كتابه: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: يروى أن رجلاً تعلق قلبه برجل، فتعلق به وهواه واشتهاه، وصارت صورة هذا الرجل منطبعة في ذهن هذا الإنسان، ومستغلقةً عليه، حتى أن قلبه قد تعلق به أشد التعلق، فاشتد كلفه به، وتمكن حبه من قلبه، حتى وقع من هذا الألم، ولزم الفراش بسببه، وتمنع ذلك الشخص عليه واشتد نفاره عنه، نفر عنه نفرةً شديدةً، فلم تزل الوسائط يمشون بينهما حتى وعده بأن يعوده، فأخبره بذلك الناس، الناس أخبروا هذا الرجل الذي مرض بسبب العشق والعياذ بالله بأن معشوقه سيزوره، فماذا حدث؟ ففرح واشتد فرحه وانجلى غمه، وجعل ينتظره للميعاد الذي يضرب له، فبينما هو كذلك، إذ جاءه الساعي بينهما، فقال: إنه وصل معي إلى بعض الطريق، لكنه غير رأيه ورجع، ورغبت إليه وكلمته، فقال: إنه ذكرني وفرح بي، يعني: هذا العاشق ذكرني وفرح بي، ولا أدخل مدخل الريبة، ولا أعرض نفسي لمواقع التهم، فعاودته، فأبى وانصرف، فلما سمع البائس أسقط في يده، وعاد إلى أشد مما كان عليه، وبدت عليه علائم الموت، فجعل يقول في تلك الحالة:
أسلم يا راحة العليل ويا شفى المدنف النحيل
رضاك أشهى إلى فؤادي من رحمة الخالق الجليل
يقول هذا العاشق وهو فيه علائم الموت قد ظهرت:
رضاك أشهى إلى فؤادي من رحمة الخالق الجليل
فقلت له: يا فلان اتق الله، قال: قد كان، أي: حصل الذي حصل، فقمت عنه، فما جاوزت داره حتى سمعت صيحة الموت، فعياذاً بالله من سوء العاقبة وشؤم الخاتمة.
هذه قضايا العشق والشهوة، والتعلق بالمخلوقين، وبالصور الجميلة، كلها ناتجة عن اتباع الهوى، وعن إسلاس القياد للنفس، وعن إسلاس النفس لتسير مع شهوتها، ومع متعلقاتها حتى تقع في الهاوية، والذي يتعلق قلبه بشيء -أيها الإخوة- من الصعب أن ينفك عنه، والذي يتراجع في بداية الطريق أسهل بكثير من التراجع وقد مضى شوطاً في الطريق؛ لأنه كلما مضى أكثر كلما تعلق قلبه أكثر، وقد تبدأ العملية في بدايتها في نوع من الإعجاب بتصرفات الشخص الآخر، والإكثار من ذكره وقصصه وسيرته، ولكنها تنتهي في النهاية إلى نوع من التعلق الشديد الذي يطغى على حب الله تعالى، ويصبح إرضاء ذلك الشخص هم العاشق الوحيد الذي تعلق قلبه بمعشوقه، حتى أنه يقدم إرضاء ذلك الشخص على رضا الله تعالى، فيكون قد وقع في شرك المحبة وهو الشرك العظيم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165] وهذه القضية -أيها الإخوة- فيها من الخطورة شيء عظيم، فإنها تسبب شقاء القلب وكلالته وتعبه حتى أنه ليسقط مريضاً مما ينعكس على الجسد فيمرض كما يقول هذا الشاعر:
فما في الأرض أشقى من محبٍ وإن وجد الهوى حلو المذاقِ
تراه باكياً في كل حينٍ مخافة فرقةٍ أو لاشتياقِ
فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنو حذر الفراقِ
إذا ابتعد عنه بكى شوقاً إليه، وإن اقترب منه خاف على نفسه، فبكى خوف الفراق، ما الذي يسبب وقوع هذا النوع من المشاكل في قلوب بعض الناس؟ إنه القلب الفارغ من محبة الله عز وجل، هو الذي يسبب وقوع هؤلاء الناس في العشق وفي الهوى، قال الشاعر:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا
الشاهد: الشطر الأخير (فصادف قلباً خالياً فتمكنا) القلب إذا كان معموراً بحب الله عز وجل، والإنابة إليه، والإخبات إليه، والتوكل عليه، ومراقبة الله عز وجل دائماً، هذا القلب الممتلئ بهذه الصفات الإيمانية من أعمال القلوب كيف يدخل فيه تعلق بالمخلوقين؟! كيف يحدث فيه عشقٌ؟! لا يحدث، لذلك لا تحدث هذه المشكلة إلا في قلوب الناس الذين فرغت قلوبهم من محبة الله.