ونحن في علاجنا للهوى -أيها الإخوة- يجب أن نتوجه إلى دين الله نستمد منه النور والضياء، وإلا فلو أننا تركنا لأنفسنا من أن نضع منهجاً لعلاج الهوى، فإننا لن نحل المعضلة، بل سنزيدها تعقيداً، لذلك كان لا بد من الذهاب إلى القرآن والسنة لمعرفة المنهج الذي على أساسه نحارب الهوى ونسيطر عليه.
وقد وضع أقوامٌ من البشر مناهج يعالجون فيها الهوى، فضلوا أيما ضلال، وارتكبوا أخطاء شنيعة، ومن هؤلاء الأقوام الصوفية ومن نحا منحاهم في طريقة علاجهم للهوى، فإنهم أتوا بأشياء لم ينزل الله بها من سلطان، وابتدعوا في دين الله أشياء عجيبة، فمن ذلك أن أحدهم قال لمريد تابع له: إن أردت استخراج الهوى من نفسك، واستخراج الكبر، والاستعلاء على البشر، فعليك أن تفعل هذا الذي آمرك به، ما هو هذا الشيء؟ قال له: اذهب الساعة إلى الحجام، واحلق رأسك ولحيتك، وانزع عنك هذا اللباس، وابرز بعباءة، وعلق في عنقك حقيبة، واملأها جوزاً، واجمع حولك صبياناً، وقل بأعلى صوتك: يا صبيان! من يصفعني صفعةً فأعطيه جوزةً، وادخل إلى سوقك الذي تعظم فيه، هذا هو علاج الهوى عند هذا الرجل، حلق الرأس واللحية، ولبس الثياب البالية، ويعطي الأطفال جوزاً، ويقول: من يصفعني صفعة أعطيه جوزة.
فهذا المنهج الضال الذي لم ينزل الله به سلطاناً ليس هو المنهج الصحيح في علاج الهوى، وهذا آخر من البشر غلبه هواه فنظر إلى جارية، فلم يفعل ما يأمره الله به من التوبة والاستغفار، وإنما ماذا حصل؟ قلع عينه التي نظر بها إلى المحرم، هذا هو العلاج!! أن يقلع عينه التي نظر بها إلى المحرم، هل هذا هو العلاج الذي أمر الله به من ينظر إلى المحرمات؟! فإذاً أيها الإخوة! الناس إذا ابتعدوا عن منهج الله، يأتون بأشياء مبتدعة غير صحيحة وهذه من جملتها، لذلك كان لا بد من التمعن في طريقة القرآن والسنة في علاج الهوى، ولما امتحن المكلف بالهوى من بين سائر البهائم، وكان كل وقت تحدث عليه الحوادث من هذا الهوى جعل فيه حاكمان: حاكم العقل، وحاكم الدين وهما لا يتناقضان، ولا يتعارضان، إذ أن الصحيح من الشرع لا يعارض الصريح من العقل مطلقاً كما دلت على ذلك قواعد القرآن والسنة، معرفة أن هذا الهوى ابتلاء من الله عز وجل مهم جداً، معرفة أن هذا الذي تميل إليه نفسك من المحرمات أنه ابتلاء يبتليك الله به حتى يعلم مدى صمودك، ومدى ثباتك، ومدى مقاومتك لنفسك في سلوك الطريق المحرم.