كذلك -أيها الإخوة- من الجوانب التي يدخل فيها الرفق أيضاً: الرفق في البيت بشكل عام ومع الزوجة والأولاد بشكل خاص، وهذه نقطة اجتماعية حساسة وخطيرة، ولا بد من الانتباه إليها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم) رواه الطبراني عن ابن عمر صحيح الجامع.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بأهل بيت خيراً، أدخل عليهم الرفق) قال شارح الحديث: يعني أدخل عليهم الرفق بحيث يرفق بعضهم ببعض، فيرفق الزوج بالزوجة، ويرفق الرجل بأبيه وأمه، ويرفق الأب والأم بالولد، ويرفق الإخوة بعضهم ببعض، وهم يرفقون بجيرانهم، وهكذا وعامة البيوت التي تفوح منها روائح المشاكل والخلافات والنعرات والشتات والفرقة، إذا تأملت فيها وجدت السبب عدم الرفق في علاقة أفراد البيت بعضهم ببعض، فإذا أتينا إلى مسألة الرفق بالزوجة فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: (استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء) متفق عليه، وفي رواية لـ مسلم: (فإن ذهبت تقيمه كسرته، وكسرها طلاقها).
الشاهد: (استوصوا بالنساء خيراً) أي: ارفقوا بهن، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الثاني الذي يرويه الترمذي: (فإنما هنَّ عوانٌّ عندكم) معنى عوان: أسيرات، المرأة في بيت زوجها كالأسير عند السجان، لا حول لها ولا قوة، هذا هو الغالب من أمر النساء، فلما كانت المرأة مسكينة لا حول لها ولا قوة، والأمر بيد الرجل، ولا بد من استئذانه، كان لا بد من أن يرفق بها الرجل، وأن يشفق عليها، وأن يرحمها، وأن يستوصي بها خيراً، ومرة اشتكى الصحابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تمرد النساء، فأذن لهم بالضرب عند الحاجة، فلما أذن بالضرب قام الرجال فأخذ كل واحد زوجته ونزل فيها ضرباً، فيقول الراوي: (فجاء النساء إلى أبيات الرسول صلى الله عليه وسلم يشتكين) وهذا من فوائد كثرة زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، الرسول صلى الله عليه وسلم اختصه بأنه تزوج أكثر من أربع، هذه الخاصية له من دون الأمة، فإن سأل سائل عن السبب، فهناك أسباب كثيرة منها متعلق بهذا الحديث؛ أن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم كثرتهن تؤدي إلى سهولة نقل أوضاع المجتمع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لكي يعلق عليها ويعقب، فكان نساء المجتمع يأتين إلى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ويخبرنهن بما يردنه، وهؤلاء ينقلن بدورهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المرأة -أيها الإخوة- فيها حساسية ليست في الرجل، وفيها ثقة ليست في الرجل، فلا بد من الاستيصاء بالنساء خيراً، وكثيرٌ من الرجال يستعملون العنف بشكل عجيب مع الزوجات، فمنهم من يضرب زوجته في الوجه، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الضرب بالوجه، حتى لو كانت مخطئة وتريد أن تعزرها بعد أن وعظتها في الكلام وهجرتها في المضجع، ووصلت إلى الضرب، فإنك تضرب، لكن لا تضرب الوجه، تضرب على الكتف، وعلى العقب، وعلى الظهر، وعلى الرجل في مكان لا يؤذي، أما الضرب على الوجه الذي قد يكسر سناً، أو يفقأ عيناً، أو يفقد السمع، هذا الضرب لا يجوز حتى لو كنت مصيباً، لا يجوز لك أن تضرب على الوجه، وبعض الرجال يمسكون التسلسل بالمقلوب، لا يبدأ بالموعظة الحسنة، ثم الهجر بالمضجع، ثم الضرب، أما البدء بالضرب فليس من الإسلام، ولا هذه تعاليم الإسلام، وليست هذه هي المعاملة الصحيحة.
أيها الإخوة! نسمع أحياناً أشياء عجيبةً عن فعل بعض الرجال بزوجاتهم، يفعلون والله بهن أفعالاً لا ترضي الله عز وجل مطلقاً، وتعجب أحياناً لرجل ظاهره الصدق والالتزام كيف يتعامل مع زوجته ألوان من التعامل لا تخطر ببال، بل قد يصل الأمر ببعضهم إلى أن يستعمل العنف حتى في جماع زوجته حتى تكرهه، يقول: أنا أريد أن أتزوج واحدة أخرى، فما هو الحل؟ يكون معها عنيفاً حتى تكرهه، وتقول: اذهب واكفنا من شرك، واذهب تزوج.
فيا أيها الإخوة! ليس هذا هو الطريق، بعض الناس يعامل زوجته بهذه النفسية، وهذه القضية خطيرة جداً، ومخالفة صريحة واضحة لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، أين الاستيصاء بالنساء؟ وأين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس أولئك بخياركم)؟ أي: ليس أولئك الرجال بخياركم، وهذا الموضوع البسط فيه وارد جداً من واقع معاملات الناس اليوم، الغالب أن الرجل ليس هو المظلوم، الذي يحصل أن الرجل هو الذي يفرض عضلاته ويستخدم قوته، ويضرب زوجته ضرباً مبرحاً، ويوقع عليها شتى أنواع الإهانة والسب والشتم، أحياناً قد يكون أشد من الضرب بعدة مراحل، فيهينها ويحقرها، ويذكر معايبها، ولا يترك شاردة ولا واردة إلا ويقع فيها.
فلا بد -أيها الإخوة- من تطبيق الإسلام، ليس الإسلام فقط خارج البيت وأمام الناس في المساجد، ومع الزملاء والأصدقاء وفي حلقات العلم، لا.
لا بد من تطبيق الإسلام في البيوت، وإلا فماذا نستفيد إذا كان بيت كل واحد منا مهلهلاً مشتتاً مبعثراً، ليس هناك أواصر الرحمة بين الزوج وزوجته، وبعد ذلك ليسوا أولئك بخياركم حتى لو كانوا أعلم وأفقه وأكثر نشاطاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، إذا أردت أن تصبح إنساناً ملتزماً بالإسلام، وجاداً في الالتزام بالإسلام فعليك أن ترفق بأهل بيتك.
والرسول صلى الله عليه وسلم في حادثة في طريق سفر أمر بالرفق بالنساء، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان معه بعض نسائه، وكن النساء يركبن الإبل، وكان هناك حادٍ يحدو هذه الإبل وهو غلام أسود حسن الصوت يقال له: أنجشة أي: يصدر الأصوات التي تحدو الإبل، وعليها نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعهن أم سليم امرأة أخرى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رويدك يا أنجشة، رفقاً بالقوارير) قال أبو قلابة من رواة الحديث: يعني النساء.
رواه البخاري في كتاب الأدب في صحيحه.
قال العلماء في شرح الحديث: كنى عن النساء بالقوارير لرقتهن وضعفهن عن الحركة، والنساء شبهن بالقوارير في الرقة وضعف البنية، وقيل: إذا أسرعت الإبل لم يؤمن على النساء السقوط، يعني: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ أنجشة: (يا أنجشة! رفقاً بالقوارير) أقل من الحداء قليلاً، حتى لا تسرع الإبل زيادة بفعل الحداء، وهذه المرأة رقيقة، ولا تتحمل سرعة الإبل، وقد لا تثبت على البعير وتستوي عليه استواءً كاملاً، فتسقط لأنها ضعيفة، فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـ أنجشة: ارفق بهذه الإبل في المسير كأن على ظهورها قوارير، كيف لو كان على ظهور الإبل قوارير هل تسرع فيها؟ لا.
لأن القوارير تتكسر.
وقيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كره أن تسمع النساء الحداء، فشبه ضعف عزائمهن، وسرعة تأثير الصوت فيهن بالقوارير في سرعة الكسر إليها، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخشى من الفتنة، وكان يسد كل طريق فيه فتنة، فكان يخشى أن هذا الرجل الذي صوته جميل، أن يفتن النساء بصوته، فيأتي في قلوبهن أشياء لا يرضاها الله تعالى، فقال له: (رفقاً بالقوارير) وبعض العلماء جمع بين المعنيين، ومنهم القرطبي رحمه الله في مسلم، فقال: شبههن بالقوارير لسرعة تأثرهن وعدم تجلدهن، فخاف عليهن من حتف السير بسرعة السقوط، أو التألم من كثرة الحركة والاضطراب الناشئ من السرعة، أو خاف عليهن الفتنة من سماع النشيد، فلهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (رفقاً بالقوارير).
الخلاصة -أيها الإخوة- أنه يجب علينا أن نرفق بنسائنا، يرفق الإنسان بزوجته وأمه وأخته وابنته.
أما بالنسبة للرفق بالأولاد، فقد كان صلى الله عليه وسلم يرفق بالصبيان كثيراً، فورد في صحيح الجامع من رواية أبي داود الطيالسي عن أنس (أنه عليه الصلاة والسلام كان رحيماً بالعيال) وورد -أيضاً- في الحديث المتفق عليه عن أنس رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور الأنصار، ويسلم على صبيانهم، ويمسح رءوسهم، وقد كان يركب على ظهره الحسن والحسين، وكان يطيل السجود حتى ينزل الولد من على ظهره صلى الله عليه وسلم، وكان مرةً يخطب فترك الخطبة، لأنه رأى الحسن والحسين يمشيان ويتعثران في مشيتهما، فخشي عليهما، فقطع الخطبة ونزل وأخذهما وضمهما إليه، وهذا هو الحنان والرفق.
والرجل الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إنكم تقبلون صبيانكم، إن عندي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، فقال صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟) أي: ماذا تريدني أن أفعل لك إن نزع الله الرحمة من قلبك؟ فالشاهد هنا -أيها الإخوة- أن بعض الناس لا يرأفون بأولادهم، ويشتدون عليهم في الضرب والعقوبة، وتحدث لذلك مآسٍ كثيرة، وبعض الأخبار التي نسمعها تجعلك تأسف جداً من هذه المعاملة، وتقف مندهشاً وتقول: أي أبٍ وأي أم اللذين يفعلان بأولادهما هذه الأفعال؟! ولقد سمعت من ولدٍ أن أباه كان إذا أراد أن يضربه أخذ سلكاً من النحاس الغليظ -سلك كهرب- وبدأ يضربه، وإذا لم يجد الأب السلك ذهبت الأم لتأتي بهذا السلك، وإذا أراد الولد أن يأكل لا يأكل معهم، يأكل بعدما ينتهون، يقولون: أنت نجس لا يصلح أن تأكل معنا، لكن بعد أن نقوم تعال فكل، وأن أباه مرةً في الشتاء القارس طرده إلى سطح البيت لينام في عشة للحمام، وأغلق عليه من غير غطاء.
هذه الألوان، وهذا التحجر وغلظة القلب يمكن أن يؤدي -أيها الإخوة- ببساطة إلىمثل الذي حد