النوع الآخر الذي يدخل فيه الرفق: الرفق مع الإخوان: الإنسان منا -أيها الإخوة- له أصدقاء وله زملاء وله إخوان في الله، أناس كثيرون له علاقة بهم، هؤلاء الناس لا بد أن يرفق بهم، قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215] اخفض جناحك: أي: كن ليناً هيناً رفيقاً بهم متواضعاً لهم فرِساً معهم، لذلك -أيها الإخوة- إذا دققت في الأسباب التي تؤدي إلى انفصام عرى الأخوة بين كثير من المسلمين، وجدتها في طرف من الأطراف، أو في كلا الطرفين، لوجدت الأمر حدة في الطبع، وصعوبة في التعامل، وخشونة في الألفاظ، وغلظة، وعزة على المسلمين، بدلاً من أن يكون الأمر: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54].
انقلب الأمر عند كثير من المسلمين اليوم للأسف إلى أن يكونوا أذلة على الكافرين، أعزة على إخوانهم المؤمنين، فكثيراً ما يجد الأخ بينه وبين أخيه وحشة وتنافراً، لو دقق في التفكير لوجد السبب يعود إلى هذه العوامل التي ذكرناها التي يسببها فقدان الرفق.
انعدام الرفق هو الذي يسبب هذه الوحشة وهذا التقاطع وهذا التنافر، لا بد -أيها الإخوة- من قبول أعذار الناس، والمساهلة معهم كما قال علماء السلف، لا بد من اللين مع الإخوان في المعاملة، ولا بد من خفض الجناح، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام أبو داود والحاكم عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف، ويردف، ويدعو له) انظروا إلى لين الرسول صلى الله عليه وسلم ورفقه بإخوانه، كانوا في الجيش فإذا تقدم الناس كان الرسول يتخلف إلى الوراء، ولا يكون دائماً في المقدمة، فيرى من هو الضعيف، ومن هو المسكين العاجز، ومن هو الذي ليس عنده دابة تحمله، فيحمله الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن هو الذي يحتاج إلى مساعدة وإعانة، فيعينه الرسول صلى الله عليه وسلم بالعمل والدعاء، لأنه قال في الحديث: (كان يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف، ويردف) يردفه وراءه على دابته رفقاً بهم وبحالتهم، (ويدعو لهم) وهكذا في صحيح الجامع.