ومن أعظم العبادات المرتبطة بالسماع: سماع القرآن.
فهذا السماع حادٍ يحدو القلوب إلى جوار علام الغيوب، وسائق يسوق الأرواح إلى ديار الأفراح، ومحركٌ يثير ساكن العزمات إلى أعلى المقامات وأرفع الدرجات، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أحد الصحابة أن يقرأ فيسمع لقراءته، ويقول: (إني أحب أن أسمعه من غيري).
وكانت طريقة الصحابة -رضوان الله عليهم- في سماعهم للقرآن إذا جلسوا في جماعة أن يتحلّقوا فيأمروا واحداً منهم أن يقرأ ثم يستمع الباقون.
والقلب يتأثر بالسماع بحسب ما فيه من المحبة، فإذا امتلأ من محبة الله وسماع كلام محبوبه فإنه يتفاعل مع كلام الله، وأما من امتلأ قلبه من محبة الشياطين واللهو فإنه يقبل على سماع اللهو والغناء، وحرام على قلب قد تربى على غذاء السماع الشيطاني أن يجد من ذلك في سماع القرآن، بل إن حصل له نوع لذة فهو من قبيل الصوت المشترك، بمعنى أن بعض الناس اليوم إذا فتحوا الإذاعة فوجدوا قارئاً يقرأ، وقد يكون هذا القارئ من الذين يُلحِّنون القرآن بحسب ألحان الأغاني -والعياذ بالله- ويأتي بالإيقاعات في قراءته كإيقاعات الأغاني والموسيقى، بل إن بعض من سمع أخبار بعض المقرئين الذين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنهم: (أكثر منافقي أمتي قراؤها) حديث صحيح.
يقول: وفي حفلات الغناء للمطربات المشهورات تجد في الصف الأول نفراً من المشتهرين بقراءة القرآن تذاع أصواتهم، يجلسون في تلك الحفلات لكي يكتسبوا إيقاع تلك الأغاني، فينقلوه إلى قراءتهم فيما بعد والعياذ بالله! إن بعض الناس اليوم قد يتفاعل مع سماع القرآن، لكن أي نوع من أنواع التفاعل؟ إنه يطرب لصوت القارئ، ولكنه لا يتفاعل مع المعنى، ولذلك تجد هؤلاء يتأوهون بالآهات الطويلة بعد فراغ المقرئ من مقطع أو آية، تأوهات تدل على الطرب والنشوة، ولكن ليس لله ولا لمعنى القرآن، وإنما للحن الجميل الذي أعجبهم فتأوهوا عند سماعه، ولذلك كان لا بد من انتقاء المقرئين الذين إذا قرءوا القرآن تأثر الناس بقراءتهم تأثراً بالمعنى، وخشعت قلوبهم لذكر الله، وليس أن تخشع أسماعهم وغرائزهم لجودة الألحان والإيقاعات الموسيقية في القراءة.
وقد ذم السلف التمطيط في القراءة، ولذلك تجد بعض الناس اليوم يقتنون أشرطةً مسجلةً لبعض المشهورين من القراء، فيسمعونها في بعض الأحيان، ولكن لأن الصوت شجي جميل فيه ألحان وإيقاعات، فعليكم أن تقتنوا من أصوات قراء القرآن ما يؤثر في النفس تأثيراً إيمانياً يتفاعل مع معنى القرآن.