أشهد أن لا إله إلا هو ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً رسول الله المبعوث رحمة للعالمين، والصلاة والسلام عليه وعلى آله وصحبه وذريته الطيبين الطاهرين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: قد بقي لنا في الموضوع بقية، في أحكام تتعلق بالمعاملات، لعلنا نأتي عليها في خطبة قادمة إن شاء الله، وقد سبق أن ابتدأنا سلسلة في أحكام الغناء، لعلنا نكمل شيئاً من ذلك في الخطبة القادمة بمشيئة الله، وأتحدث إليكم بسرعة، عن مسألة عاشوراء، وقد دخلنا في شهر محرم نسأل الله أن يجعله عاماً مباركاً، وعام نصر للإسلام والمسلمين.
وهذا شهر محرم الحرام، من اقترف فيه سيئة فإن الإثم يضاعف عليه؛ لأنه من الأشهر الحرم التي قال الله فيها: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:36].
ويندب الإكثار من الصيام في شهر محرم على وجه العموم.
وفيه يوم عاشوراء الذي كان صيامه مفروضاً على المسلمين، ولما فرض صيام رمضان نسخ عاشوراء وصار صومه مستحباً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كان أمرهم بصيامه: (إن عاشوراء يوم من أيام الله، فمن شاء صامه ومن شاء تركه) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن هذا يوم كان يصومه أهل الجاهلية، فمن أحب أن يصومه فليصمه، ومن أحب أن يتركه فليتركه).
وأما في أجره: فقال عليه الصلاة والسلام: (صوم عاشوراء يكفر سنة ماضية) رواه مسلم رحمه الله تعالى، وفي رواية () إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) رواه الترمذي وهو حديث صحيح.
فهنيئاً لمن صامه؛ لأنه يكفر له ذنوب سنة كاملة قد مضت، فما أكثر الذنوب! وما أعظم من سامح وغفر، والله سبحانه وتعالى شرع لنا هذه المواسم للمغفرة والتوبة.
وعاشوراء: هو يوم العاشر من محرم، وهذا اليوم يوم نجى الله فيه موسى ومن معه، انتزع النبي صلى الله عليه وسلم فضيلته من اليهود، لما أخبروه عن سبب صيامهم له، ونحن أحق بموسى منهم.
وفي صيامه موافقة لسنة الأنبياء، وانتزاع للفضيلة من أهل الكتاب، والتأكيد على ذلك، وتكون مخالفتهم بأن نصوم يوماً قبله أو يوماً بعده، بالإضافة لما فيه من الأجر العظيم، واعلموا رحمكم الله تعالى أن تاسوعاء هو الأفضل أن يصام مع عاشوراء، فمن فعل ذلك فقد أتى بسنَّة عظيمة من السنن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم همَّ بذلك وأخبر عن عزمه عليه.
وكذلك فإن صيام هذا اليوم، ذكر فيه بعض أهل العلم أن له مراتب ثلاث: أن يصام عاشوراء فقط، وهذا جائز وتكون المخالفة في هذه الحالة مستحبة لا واجبة.
وأن يصام يوم قبله وهو الأفضل، أو يوماً بعده فهي المرتبة الثانية.
وأن يصام يوماً قبله ويوماً بعده، ولم يصح بذلك حديث، ولكن لأجل الاستكثار من العمل الصالح، وعموم مشروعية الصيام في محرم، يكون أفضل من هذه الجهة.
وأما بالنسبة لهذه السنة، وفي كل سنة يتكرر الكلام، إذا علمت -يا عبد الله- بدخول الشهر فصم على حسب علمك، فإن علمت أن ذي الحجة كانت تسعاً وعشرين وأن محرماً دخل في اليوم الفلاني فصم بناءً على ذلك، وإذا لم يصل إليك علم، فإنك تعمل بناءً على إكمال ذي الحجة ثلاثين؛ وتصوم عاشوراء من محرم بناءً على ذلك، ولا يجب تحري دخول محرم؛ لأنَّه لا تتعلق به عبادة واجبة، بل يجب تحري دخول رمضان، وشهر شوال، ويجب تحري دخول ذي الحجة، لكن لا يجب تحري دخول محرم؛ لأنه لا تتعلق به عبادة واجبة، فإن وصلنا خبر صمنا بناءً على ذلك، وإلا فنكمل ذو الحجة ثلاثين، وبناءً على ذلك لو أكملنا ذو الحجة ثلاثين فيكون الإثنين والثلاثاء من الأسبوع القادم هو تاسوعاء وعاشوراء، ومن صام الإثنين والثلاثاء فإنه أصاب عاشوراء قطعاً؛ لأنه إما أن يكون الإثنين أو الثلاثاء، فمن صام الإثنين والثلاثاء فإنه يكون قد أصاب عاشوراء إن شاء الله تعالى، وهذا ما أخبرنا به سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل باز عن هذه السنة في صبيحة هذا اليوم، وقد سألته عنه فقال: الأفضل أن يصوموا الإثنين والثلاثاء ما لم يأتِ خبر عن دخول الشهر.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من الجميع، وأن ينعم علينا أجمعين بالتوبة النصوح، والمغفرة من سائر الذنوب، وتكفير الخطايا.
اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد، والنجاة يوم المعاد، والنفع للعباد يا رب العالمين.
اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا ذنوبنا يا عزيز يا غفور! سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.